عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172] ومن آداب الطعام ما يأتي:
أولاً: غسل اليدين قبل الطعام.
ثانياً: التسمية قبل الأكل، فإذا نسيها، فليسم أثناء أكله، يقول: باسم الله في أوله وآخره.
ثالثاً: الأكل باليمين.
رابعاً: الأكل مما يلي، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما: «يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ». رواه البخاري (5061) ومسلم (2022).
خامساً: النهي عن الأكل بالشمال، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَأْكُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ، وَلَا يَشْرَبَنَّ بِهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِهَا». رواه مسلم (2020). ومن نسي التسمية في أول الطعام فليسمِّ في أثنائه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنْ نَسِيَ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ». رواه الترمذي بسند صحيح (1858).
سادساً: عدم الإسراف في الأكل، قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما مَلأ آدمِيٌّ وعاءً شرّاً مِنْ بطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدمَ أكلاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإنْ كانَ لا مَحالَة؛ فثلُثٌ لِطَعامِهِ، وثلُثٌ لِشرابِهِ، وثُلُثٌ لِنَفَسِهِ». رواه الإمام أحمد (17186) والترمذي (2380) بسند صحيح. قال ابن القيم - رحمه الله - في زاد المعاد: «امتلاءُ البطن من الطَّعام مضرٌّ للقلب والبدن، هذا إذا كان دائمًا أو أكثريًّا، وأمَّا إذا كان في الأحيان فلا بأس به، فقد شرب أبو هريرة بحضرة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من اللَّبن حتَّى قال: والَّذي بعثك بالحقِّ لا أجد له مسلكًا -رواه البخاري ينظر حديث رقم (6087)- وَأَكَلَ الصِّحَابَةُ بِحَضْرَتِهِ مِرَارًا حَتَّى شَبِعُوا».
سابعاً: عدم عيب الطعام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «مَا عَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ». رواه البخاري (3370) ومسلم (2064). قال النووي - رحمه الله -: «هَذَا مِنْ آدَابِ الطَّعَامِ الْمُتَأَكَّدَةِ وَعَيْبُ الطَّعَامِ كَقَوْلِهِ: مَالِحٌ، قَلِيلُ الْمِلْحِ، حَامِضٌ، رقيق، غليظ، غير ناضج ونحو ذلك».
ثامناً: عدم أكله حتى يذهب بخاره، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «لَا يُؤْكَلُ طَعَامٌ حَتَّى يَذْهَبَ بُخَارُهُ». رواه البيهقي في السنن الكبرى (14746) بسند صحيح.
تاسعاً: عدم النفخ في الطعام أو الشراب؛ لما في النفخ فيه من تقذُّر الناس لذلك، فيعاف، عن ابن عباس -رضي الله عنهما - قال: «نَهَى رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ». رواه الإمام أحمد (3366) بسند صحيح.
عاشراً: الأكل بثلاثة أصابع، كما ثبت في صحيح مسلم (2032) أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأكل بثلاثة أصابع.
حادي عشر: الأكل من حافتي الطعام لا من وسطه؛ لأن البركة تنزل وسط الطعام، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «البَرَكَةُ تَنْزِلُ وَسَطَ الطَّعَامِ، فَكُلُوا مِنْ حَافَتَيْهِ، وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ». رواه الترمذي (1805) وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ثاني عشر: عدم الأكل متكئاً، قال النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لاَ آكُلُ مُتَّكِئًا». رواه البخاري (5083).
ثالث عشر: استحباب رفع اللقمة إذا وقعت، وإماطة ما بها من الأذى ثم أكلها.
رابع عشر: لا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا، فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى وَلْيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ». رواه مسلم (2033).
خامس عشر: سلت القصعة، وهي الصحن والإناء الذي يوضع فيه الطعام، والسلت: مسحها وأكل ما بقي فيها من الطعام؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - في صحيح مسلم أنَّه قال: وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ، وقَالَ: «فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمُ الْبَرَكَةُ». رواه مسلم (2034) وهذا ديدن بعض كبار السنِّ ممَّن أدركناهم، فإنَّهم يحرصون على سلت ما تبقَّى في صحفة وآنية طعامهم، اتِّباعاً للسنة، وحفظاً للنعمة، وكرامة لها.
سادس عشر: حمد الله بعد الانتهاء منه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا». رواه مسلم (2734). قال النووي - رحمه الله - في شرحه على مسلم: «الْأَكْلَةُ هُنَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهِيَ المرة الواحدة من الأكل كالغداء والعشاء، وفيه استحباب حمد الله تَعَالَى عَقِبَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ صِفَةَ التَّحْمِيدِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُودَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا وَجَاءَ غَيْرُ ذَلِكَ، ولو اقتصر عَلَى الْحَمْدِ لله حَصَّلَ أَصْلُ السُّنَّةِ». وفي رواية عند البخاري من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ - وَقَالَ مَرَّةً: إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ - قَالَ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا وَأَرْوَانَا، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مَكْفُورٍ». (5143).
سابع عشر: غسل اليدين والمضمضة بعد الطعام، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى خَيْبَرَ، فَلَمَّا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ دَعَا بِطَعَامٍ، فَمَا أُتِيَ إِلَّا بِسَوِيقٍ، فَأَكَلْنَا، فَقَامَ إِلَى الصَّلاَةِ فَتَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا. رواه البخاري (5139).
وتحصل البركة في الطعام بما يأتي:
الأول: بالتسمية.
الثاني: بالاجتماع على الطعام.
الثالث: الأكل من حافتي الطعام.
قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها -: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأكل طعاماً في ستة من أصحابه، فجاء أعرابي فأكله بلقمتين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَمَا إِنَّهُ لَوْ سَمَّى لَكَفَاكُمْ». رواه الترمذي وصححه (1858). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ». رواه مسلم (2059). قال النووي - رحمه الله -: «هَذَا فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْمُوَاسَاةِ فِي الطَّعَامِ، وَأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا حَصَلَتْ مِنْهُ الْكِفَايَةُ الْمَقْصُودَةُ، وَوَقَعَتْ فِيهِ بَرَكَةٌ تَعُمُّ الْحَاضِرِينَ عَلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ».