إيمان الدبيّان
الطفولة منبع البراءة، وشعاع الطهارة، اختلفت الدول في تحديد نهاية عمرها الزمني وإن اتفق الأغلب على أنها تنتهي بوصول الثامنة عشرة من العمر، هذه الطفولة التي قد تُدنس أحيانا ببعض الأخطاء العفوية أو الجرائم الإنسانية بدوافع فطرية، أو أسباب قهرية، ربما كان للمسؤول عن ذلك الطفل أُما، أو أَبا، أو كليهما الباعث الأكبر والمحفز الأوفر على ارتكاب الأخطاء والجرائم التي توجب إيداعهم دار الملاحظة المعنية بتهذيب وإصلاح ورعاية الأحداث من سن الثالثة عشرة حتى الثامنة عشرة؛ ولكن ألا يستحق ولي أمر هذا الحدث (الطفل) أن يعاقب ويطبق بحقه الجزاء المادي والمعنوي والاجتماعي كحق خاص وحق عام، مثله تماما مثل أي مشهور أو مغمور يستغل طفله للتكسب المادي أو الترويج الإعلاني؟!
ما جعلني أطرح هذا السؤال على من يهمه الأمر وعلى أهل الرأي والفكر، هو الحادث المروري الذي هز مجتمعنا قبل بضعة أيام ونتج عنه مقتل طفلتين دهسا، وكسر أمهما جسدا وروحا ومعاناتها في المستشفى وجعا وجراحة وألما، بسبب طفل في الرابعة عشرة من العمر يمارس هوايته المجنونة في السيارة تفحيطا واستهتارا، وسخرية وترويحا، لن أبحث عن الأسباب التي أهمها التربية، ولن أسال عن الدوافع التي من ضمنها زيادة الدلال أو البذخ في الانحلال؛ لأني أرى أن الأهم سببا والأبلغ دافعا هو المسؤول عن هذا (الحدث أو الطفل أو المراهق) المتسبب في الحادث الأليم وغيره من جُرم الله به عليم، ذلك المتسبب الحقيقي هو ولي أمر هذا (الحدث، الطفل، المراهق) الذي عاث في الأرض بالمركبة فسادا جهرا وعصيانا، لماذا لا يحاسب صاحب السيارة ويحاكم على سوء تربيته وقلة دبرته وعدم أهليته للرعاية وتضييعه للوصاية؟!
كل من يجعل الطفل وسيلة للتسول أو التجارة أو الامتهان والحقارة في قوانيننا وقوانين العالم كلها يحاسب ويطالب ويعاقب؛ حماية للمجتمعات والأفراد، وتمكينا للمؤسسات التي تهتم بالأطفال من هيئات ومنظمات؛ لتحميهم من العنف الأسري والعدوان الشخصي والمجتمعي؛ لذا من الأجدى أن يحاسب أولا في هذه الواقعة المؤلمة المتسبب في تسهيل منح المركبة لشخص لا يحق له قانونا قيادتها ولا حيازتها، أن يعاقب لأنه شارك في قتل طفلتين وإعدام روح حدث ستودع دار الملاحظة لسنين، لا أبرر لهذا الحدث فعلته ولكني تألمت على نهايته.
حادث مروري أبكى قلوبنا وأوجع نفوسنا جعل الله المتوفيتين شفيعتين لأهلهما، وخالص العزاء وصادق الدعاء لوالدتهما جبر الله قلبها وعوضها خيرا على صبرها، والعزاء موصول لخالهما الذي طبق فعليا مقولة الخال والد ولكل أسرتهما، التي لم أود أن أذكر منهم اسما وإن كان كل اسم منهم هو علم في العلم والأخلاق، والتآزر الأسري الذي قلما نجده في زمن التنافر والنفاق، حاولت ألا أسقي قلم مقالي من مداد أحزان الآخرين في حادثة روعت الآمنين، فأبت حروفي إلا أن تطالب بمحاسبة المتسببين أجمعين.