عبدالرحمن الحبيب
قبل نحو عام من ظهور كورونا أعلنت منظمة الصحة العالمية أن «التردد في تلقي اللقاحات يمثل أحد أهم عشرة تهديدات للصحة العالمية»، وذلك في معرض توعيتها لأخذ اللقاحات ضد الحصبة والملاريا ولقاح شلل الأطفال والتهاب السحايا... هذه مشكلة راسخة عالمياً منذ ظهرت اللقاحات، فمثلاً تشير بعض الأبحاث إلى أن 8 في المائة من الأمريكيين يعرّفون أنفسهم على أنهم «مناهضون للتطعيم» (فورين بولسي).
للتغلب على التردد في التطعيم، ينبغي الكشف عن أسبابه. يقول الخبراء إن إقناع مناهضي اللقاح بأنه آمن وفعال سيكون مهمة شائكة ومعقدة، وإنه لا يوجد نهج مفضل على غيره، فالأسباب متعددة، بل إن تصحيح الأساطير حول التطعيم عند بعض الأفراد الأكثر التزامًا بالمعتقدات المضادة للتطعيم، لا يؤدي إلا إلى زيادة الشك لديهم.
قد تكون أسباب الشك في اللقاحات دينية أو سياسية أو وسواساً قهرياً أو جنون الشك (بارانويا) بمطامع شركات الأدوية الكبرى، أو نظرية المؤامرة. تستقطب نظريات المؤامرة المؤمنين بها لأسباب عديدة، ومن بينها أنها تعطي المؤمنين بها شعوراً بالذكاء والتميز بقدرتهم على كشف أكاذيب المجتمع، حسبما تذكر جينا كلارك، باحثة السلوك في مركز الإدراك، جامعة ديوك.
إضافة للأسباب المذكورة هناك عدم ثقة البعض بالإجراءات، وهناك عدم الاقتناع بخطورة المرض أو ما يطلق عليه «تحيز الإغفال» (omission bias) حين يرى الناس الضرر الناجم عن الفعل (مثل الآثار الجانبية للتطعيم) على أنه أكثر خطورة من الضرر الناجم عن التقاعس عن التطعيم (مثل المرض الشديد نتيجة عدم الحصول على اللقاح).
من الناحية النفيسة، التطعيم غير بديهي نفسياً حسب تعبير جينا كلارك التي تذكر أن السلوك البشري مدفوع بقوة بالمكافآت الفورية والملموسة، التي تحرك مشاعر عاطفية قوية. مثلاً، الملذات الفورية للوجبات السريعة عندما تواجه بالمكافآت على المدى الطويل لنظام غذائي صحي، فإن الأكل الصحي نادرًا ما يفوز. هذه الحسبة لا تخدم التطعيم، لأن عدم الإصابة بالمرض لا يتم الشعور به فورياً كمكافأة.
ينقسم الخبراء حول ما إذا كان من الأفضل محاولة تغيير عقول معارضي التطعيم بشأن اللقاحات، بينما يرى آخرون بأن إقناع الرافضين للقاح غير مجد ولا بد من دفعهم للتطعيم على أي حال، دون القلق بشأن شعورهم (أتلانتك).
إذن، ما هي الحلول المناسبة لتغيير وجهة نظر الرافضين للقاح؟ ترأست جينا كلارك فريقاً يبحث عن إيجاد حلول جديدة؛ تقول: في حالة التطعيم ضد الحصبة قررنا التركيز على زاوية الحماية الذاتية لنظريات المؤامرة التي تعطي المؤمنين بها شعوراً بالذكاء. وتتساءل كلارك: إذا كان الاعتقاد بأنها تساعد على تأكيد تقديرهم لذاتهم كأشخاص أذكياء، فماذا يحدث إذا قمنا بتلبية هذه الحاجة بطريقة مختلفة؟
في عينة من أكثر من ألف من الأمهات الحوامل بالولايات المتحدة وُضع استبيان يشعرهن بالذكاء أو أنهن أمهات طيبات.. مثل التكيف بسرعة مع الوظائف الجديدة، والنجاح في اختبارات الرياضيات، وحل المشكلات لأحبائهم، وكسب الجدل مع زملاء العمل، والابتكار؛ والسؤال عن نواياهن لتطعيم أطفالهن المستقبليين. كانت الفكرة الرئيسية هي محفز الذكاء، لرؤية ما إذا كان من الممكن تقديم فرصة للمشاركات لتأكيد تقديرهن لذواتهن بطريقة صحية.
تقول كلارك: اللواتي كتبن عن الشعور بالذكاء كن أكثر ميلًا إلى الموافقة على تطعيم أطفالهن. لماذا؟ لأنهن وجدن أن المقطع المؤيد للتطعيم أكثر إقناعًا (ذكاءً). بمجرد تلبية حاجتهن النفسية للشعور بالذكاء من خلال مصدر آخر، يمكنهن قبول العلم والنظر في التطعيم كخيار سليم. وتخلُص كلارك إلى أن التردد في الحصول على اللقاح لا علاقة له بالجهل أو أي شيء آخر له علاقة بالمواقف (السياسية أو الاجتماعية) المناهضة للتلقيح في أمريكا.
وفي تجربة أخرى أكبر حجماً (ربيع 2021) لدراسة آثار الرسائل المختلفة المؤيدة للتطعيم ضد كورونا، عبر ست استراتيجيات مختلفة للرسائل، بدءًا من اعتبار اللقاح كطريق للعودة للحياة الطبيعية إلى شرح عملية اختبار إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، ثم السؤال عن موقف المشاركين تجاه اللقاح.
تقول كلارك: اثنان فقط من نهجنا عملا على زيادة نية التطعيم. ركزت الرسالة الناجحة الأولى على مكافحة «تحيز الإغفال» من خلال التأكيد على أن مخاطر عدم التطعيم أكبر بكثير من مخاطر التطعيم. كانت الرسالة الثانية الناجحة أكثر غرابة بقليل، لقد صنفنا التطعيم ضد كورونا باعتباره عملاً وطنياً يساعد الولايات المتحدة على النهوض لمواجهة تحدي كورونا. إلا أن كلارك توضح أن العوامل تختلف باختلاف المجتمعات، لكن هناك شيئاً واحداً واضحاً: لن ننجح في حماية أنفسنا وأحبائنا من كورونا حتى نفهم أسباب التردد في التطعيم على أنه مشكلة عاطفية واجتماعية وثقافية، ونطبق حلولًا مخصصة وفقًا لذلك.
من الحلول المفضلة التي يقترحها الخبراء هو أن تطرح الحكومات برامج التطعيم بسلاسة مع وضوح الإجراءات وتبيان فعالية اللقاح وآثاره الجانبية، ومنع تلاعب الشركات.. وإقناع مناهضي التطعيم عبر سرد قصص حقيقية للمصابين وعرض تجارب حية وليس الاكتفاء بلغة الأرقام؛ وقد يكون من المفيد الاستماع إلى الأشخاص الذين تحولوا من المعسكر المضاد للقاح إلى المؤيد له (زاكاري هورن، جامعة أريزونا).