عبد الرحمن بن محمد السدحان
- كتبتُ أكثر من مرة أشير بفضل الدراسة الجامعية في الخارج، وفي أمريكا خاصة، وذلك بالنسبة لمن يتعامل مع تلك المرحلة من العمر بإيجابيةٍ وتفاؤل وحزم، مع توفّر القدرات التي تمكّن صاحبَها من إنجاز ما وعد به نفسه، أو ما ينتظره منه الآخرون.. من أهلٍ وسواهم.
***
- وقد وصفتُ تلك المرحلة المفصلية في حياتي بأنها تجربة ميلاد جديد لصاحبها متَى أثْرتْ نتائجها فكرًا سديدًا، وتحصيلاً مثمْرًا، وتعاملاً سوّيًا مع معطيات الحياة، عسيرها ويسيرها! وبتعبير آخر، إن تلك المرحلة ليست (ضخ معلومات) وغرس مفاهيمَ وأخلاقيات في ذهن الطالب فحسب، بل هي إلى جانب ذلك كله، فرصة (تحوّل نفسي وإدراكي ووجداني له)!
***
- ولذا، يأتي استثمار تلك المرحلة لتحقيق تلك الإيجابيات وبلوغ غاياتها. وهي، لقصدٍ أهمّ وأشمّ أوَّلُ أوُلويات الطالب كي يعود إلى وطنه وأهله بزادٍ معرفي وعقليّ وأخلاقي يُعينُه، بعد المولى عزّ وجلّ، على بلوغ ما يتمنّاه أو ما يُرجَى منه. وبدون هذا التّحفيز الذهني والمعنوي والأخلاقي، يغدُو حصادُه الذي أفْنى في سبيله هامشًا ثمينًا من حياته وجهده وجهاده طُعْمًا لعصْف الريح!
***
- وسُئلتُ كرةً إذا كان (رغد العيش) قد أهلّ بوعدِه لي في صغري، فلم أسْعدْ به إلاّ في (صيف) عمري بعد رحلة مُنيتُ فيها بشقاء البحث عن السعادة والرفاه، فقلت: لا أريد عبر هذا الردّ أن أتخذ موقف (الزاهد) في رغد العيش عبرْ (فجر) حياتي، ولا أن أعمّمَ الحكمَ بالقول إن مَنْ ينعم برفاه العيش في مطلع حياته، قد لا يسْتعذبُ النجاحَ بعد العُسْر، ولا رغد الرزق بعد افتقاده حينًا من دهر حياته، فالناس ليسُوا سواء!
***
- لكن الحقيقة التي أؤْمن بها وشهدتُها في مطلع حياتي هي أن عُسْرَ العيش في بداية مشوار النموّ قد يجعل المرءَ أكثير التصاقًا بذاته، اكتشافًا لقدراته ومواهبه والفرص المتاحة له ضمن محاولة بلوغ قدر من اليُسْرِ حُلوِ المنَال! وإذا كانت المواقف في الحياة تعرفُ بضدّها، فإن المرءَ لا يدركُ نشْوةَ النجاح إلاّ بعد مرارة الفشل، ولا رغد العيش إلاّ بعد ندرته وكدّه ونكدِه!
***
- لذا، أتمنّى على شباب جيلنا الحاضر ألاّ يقْسوَ على نفسه أو يظلمَها اسْتسلامًا لحلم الرفاهيَة ومباهجها، لأنه قد يشهد يومًا غيابَ رغد العيش أو ندرته، ثم لا يستطيعَ تلمّس الدرب خرُجًا من تحديات اليوم الجديد!