رقية سليمان الهويريني
لعل أكثرنا قد لمس لجوء الناس للوحدة والاكتفاء باللقاءات الأسرية المحدودة، وتفاقم الوضع بعد رفع الحظر عن التجمعات العائلية والمناسبات الكبرى، وحتى بعد التخفيف من الإجراءات الاحترازية بسبب كورونا والسماح للناس بممارسة حياتهم الاجتماعية لم يعودوا يجتمعون كالعادة.
ولئن كان الوضع أثناء الحظر طبيعياً إلا أن بعده غير طبيعي، خصوصاً أن الشعب العربي والسعودي بالذات يتوق للاجتماعات والزيارات المجدولة وينعم بالدف الأسري ولقاء الأقارب والأصدقاء.
وأزعم أن المجتمع أصبح مادياً بدرجة كبيرة حينما اكتسى بالترف والتنافس والتفاخر بالملبس والأثاث وإحضار الهدايا وضرورة المجاملة بردها فأصبحت اللقاءات مكلفة تشوبها المظاهر المتكلفة! فآثر البعض الابتعاد والوحدة.
وأخشى أن سبب ذلك يعود لحالة من الصراعات الداخلية بين أفراد العائلة الكبيرة وأحياناً الأسرة الصغيرة وشيوع الهمز واللمز لمشاحة على مال أو مقارنة بين أفراد نتيجة تربية أسرية نفخت في الأنا وتقديس الذات حتى حولتها لجشع وطمع، أو كبرياء وترفع ينخر في النفوس، وهذه يصعب تقويمها لأن أساسها النفس، وما لم تشعر بحاجتها للاجتماع واللقاء والدفء فلن يكون للإقناع مجال.
ويرد على بالي أن سبب العزوف عن الاجتماعات العائلية والعامة هو اختلاف التوجهات الدينية والفلسفية تجاه التغيرات الثقافية والاجتماعية مما يثير النقاشات الحادة وتشظي الآراء حول ذلك، والتجريح في النقد! وهو ما يجعل البعض ينطوي على نفسه حتى لا يثير الجدل وتزداد حدة الحوار ويقع في النفس ما يقع من أثر ذلك.
وتأتي قنوات التواصل الإلكترونية متهماً على سبب الابتعاد الاجتماعي واللجوء للوحدة، حيث يجد فيها المرء ضالته، ويصنع لنفسه مجتمعه الخاص به فيتواصل مع الشخصيات التي تناسبه فكرياً ونفسياً، ويحجب نفسه عن قيود مجتمعه التقليدي، وحينئذ لا التزامات ولا نقد ولا مشادات ولا مظاهر خادعة! ولكنه حتماً سيفتقد السياج الذي يحميه من الوقوع في الخطأ، أو ينقذه بعد حدوثه.