خالد بن حمد المالك
بلهجة موغلة في المحلية اللبنانية، وبالكاد كان يجتر الكلام، ويستحضر الجمل، ويحاول إيهام اللبنانيين بأنه لا يفكر خارج صندوق اهتمام اللبنانيين بأوضاعهم التي لم يشهدوا لها مثيلاً في سوئها، كما شهدوها في عهد الرئيس اللبناني الحالي ميشيل عون.
* *
كان من الواضح أن عون لم يكن يخاطب الشعب اللبناني بوصفه رئيساً للبنان، وإنما كان الجنرال يواجههم على أنه رئيس حزب، بمواصفات الحزب، لا بمواصفات الدولة، وهنا كان عليه أن يسكت عن الكلام، إلى أن يعود إلى حزبه المسمى التيار الوطني الحر ويتحدث كما يشاء.
* *
كان عون يتحدث، وكأن في فمه ماء، فلم يفهم من تابع كلامه يوم الاثنين الماضي ماذا كان يعني أكثر من أنه حاول أن يلقي باللائمة والاتهام على كل اللبنانيين، ويوزعها باستثناء شخصه وحزبه وحزب الله، مع أن ما تمر به البلاد من انهيار تام إنما هي بمباركته وصنعه ورضاه.
* *
يسأل اللبنانيون، ماذا فعل الرئيس -بحكم مسؤولياته الرئاسية- في جريمة قتلى وجرحى مرفأ بيروت أكثر من تعطيل القضاء اللبناني حتى لا يصل إلى تجريم القتلة، بمنعه المشاركة الدولية في لجان التحقيق لإظهار الجهات والأشخاص المتورطين في الجريمة.
* *
وتتوالى الأسئلة، ماذا عمل فخامة الرئيس أمام تدهور علاقات لبنان بالدول الشقيقة الداعمة، فلا نجد غير الزيت يصبه عون على النار لجعل العلاقات اللبنانية خارج السرب العربي، وباتجاه إيران لكي يكسب رضا حزب الله اللبناني الإرهابي الذي يدين له عون بالفضل لوصوله إلى قصر بعبدا.
* *
ومن الأسئلة - وهي كثيرة - يتساءل اللبنانيون: لماذا عطّل عون تشكيل الحكومة برئاسة الحريري، ولماذا ساهم في إفشال حكومة دياب، وكيف يتعامل الآن مع حكومة ميقاتي، عدا عن المرشحين الآخرين الذين اعتذروا عن قبول ترشيحهم لرئاسة مجلس الوزراء، أو فشلوا بسبب عون وأسباب أخرى.
* *
الاقتصاد اللبناني في حالة انهيار تام، والليرة أمام الدولار والعملات الأجنبية أصبحت بلا قيمة، والبطالة والجوع وفقدان الأمن هي عناوين صارخة للوضع في لبنان، بينما مجلس الوزراء لا يتم دعوته إلى الانعقاد، وهو في حكم المعطل، بسبب الثنائي اللبناني الشيعي، وصمت عون، وعجزه حتى عن ذكر اسم حزب الله وأمل بوصفهما المعطلين لانعقاده.
* *
وعن الانتخابات النيابية والرئاسية، وتشكيل الوزارة القادمة، تبدو أنها في حكم الغيب (المغيبة!) بفضل مواقف عون، وتأثير صهره جبران باسيل، ولا أحد يتكلم عن الفاعلين في هكذا مواقف، لأن هناك مصالح ومقايضة بين عون وحسن نصر الله.
* *
هذا هو لبنان، الذي كان يعيش أوضاعاً سيئة قبل رئاسة عون، وهو الآن في أسوأ حالاته على مدى تاريخ لبنان الحديث، وكل هذا لأن إيران هي من يحكم لبنان، هي من وضعت هذا البلد الجميل يترنح، وجعلت مواطنيه في حالة بكاء لا يتوقف، بفعل هيمنة حزب الله الإرهابي، وأمينه العميل الإيراني حسن نصر الله.
* *
وما زال اللبنانيون يتذكرون بمرارة كيف عطّل الجنرال عون البلاد دون اختيار رئيس بدعم من حزب الله، مصراً إما أن يكون هو الرئيس، أو ليذهب لبنان إلى المجهول، فتم ترشيحه للرئاسة بعد أكثر من عامين كان فيها قصر بعبدا في فراغ دون رئيس للبنان، لكن اختياره للرئاسة عزز ذهابه إلى المجهول أو إلى الجحيم.
* *
وفي عهده تم الإجهاز على كل شيء في لبنان، وأمام غرق البلاد بالمشكلات راح عون ينادي بدولة مدنية، ودستور جديد، واستراتيجية دفاعية جديدة، واللا مركزية إدارية، ومالية موسعة، وإعادة النظر في مجلس القضاء الأعلى، والتشكيلات القضائية، وغير ذلك كثير، وكأن لبنان بلا مقومات، بلا تاريخ، بلا مؤسسات.
* *
ولبنان الآن في مفترق الطرق، والأقرب أنه يتجه إلى الطريق الأسوأ، إلى المسار الذي ينهي ما بقي منه، فمشكلاته عصيّة على الحل، ومستقبله على كف عفريت، ما دامت القوة العسكرية الأكبر بيد حزب الله، والقوى السياسية النافذة لا يهمها إلا مصالحها الشخصية.