د.عبدالرحيم محمود جاموس
منذ وجد الإنسان على سطح الأرض وهو يكافحُ من أجل تحقيق أفضل شروط الحياة، وذلك من خلال تأمين احتياجاته المادية والروحية والمعنوية، التي لا تتأتى له بشكل فردي، فكان الانتماء إلى الجماعة التي تبدأ بالأسرة، فالقبيلة فالقرية ثم المدينة ثم المجتمع والدولة، وصولاً إلى الانتماء إلى عالم الإنسان والإنسانية في نظام دولي يحتكم إلى المبادئ والقيم الإنسانية.
إن توفير الاحتياجات المادية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن حاجات ضرورية وأساسية ليحيا الإنسان، لكن وحدها غير كافية للحياة الكريمة، التي تحقق إنسانية المرء، إذ تبقى هناك عناصر ضرورية أخرى لاكتمال شروط الحياة ويتقدمها الأمن والأمان والحرية والكرامة، لذا يأتي القول (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان)، ويأتي الخبز مقترناً بالأمن والكرامة، وهنا يتجلى فهم الآية الكريمة {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ*الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} سورة قريش، حيث يتحقق للإنسان الخبز والأمن والكرامة، وتتحقق له الاحتياجات المادية والمعنوية التي يحتاجها.
يناضل الإنسان منذ بدء الخليقة لتحقيق احتياجاته المادية والمعنوية على نفس الدرجة، وفق احتياجاته وظروفه في مختلف مراحله، لذا فإن العقائد والفلسفات كافة قد اشتركت في بلورة التصور الجامع لشروط الحياة الكريمة، والفضلى، التي تحقق الاحتياجات المادية والمعنوية للإنسان، التي لا تكتمل إحداها دون الأخرى.
الإنسان يتكون من جسد وروح، فهو يحتاج الخبز ومختلف العناصر الغذائية لغذاء الجسد، كما يحتاج إلى الكرامة والأمن والعدالة والمساواة والحرية لتغذية الروح، وهذه الاحتياجات لا تتحقق في ظل الاحتلال والاستعمار، الذي ينتهك مختلف الشروط المادية والمعنوية للحياة الكريمة للإنسان، كما لا تتحقق في ظل الدكتاتورية والتسلط وافتقاد التنمية الاقتصادية وغياب العدل والحرية والمساواة.
إن القضاء على الاستعمار والاحتلال بكل أشكاله والنهوض والتقدم والتنمية وبناء دولة القانون والمؤسسات هو الوعاء الذي تتحقق فيه للإنسان تلك الشروط المادية والروحية والمعنوية التي يحتاجها للعيش بشرف وعدل ومساواة وكرامة، داخل المجموعة البشرية التي ينتمي إليها. لقد كان بناء الدول نتيجة طبيعية لهذه الاحتياجات البشرية الفردية والجماعية على السواء، إن توفر هذه العناصر وهذه المتطلبات للفرد وللجماعة داخل الدولة الواحدة، يمثل معيار الفشل أو النجاح لها.
إن فشل الدول والحكومات في تحقيق تلك الشروط الأساسية يؤدي إلى ضرورة التغيير والتعديل في حكوماتها وأنظمتها وتشريعاتها، لأجل مواكبة تغير وتطور تلك الاحتياجات الأساسية للفرد وللمجتمع مع مرور الزمن، وفق آليات محددة تكفل الحفاظ على كرامة الإنسان ووحدة الدولة والمجتمع في آن، وبالطرق السلمية بعيداً عن العنف والفوضى، كي لا يتعرض الأمن والسلم الأهلي والمجتمعي للخطر، الذي يفقد فيه الفرد والمجتمع أمنه وكرامته ويفقد بقية الشروط المادية والمعنوية للحياة الكريمة، لذا جاء القول ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، فالكرامة والحرية والعدل والمساواة متطلبات أساسية للحياة شأنها شأن الخبز.
إن النضال ضد الاستعمار من أجل الحرية والاستقلال والكرامة تفرضه الطبيعة الإنسانية، كما أن الانتفاضات والثورات والحركات الجماهيرية يفرضها غياب الدول غير القادرة على توفير الاحتياجات الأساسية المادية والمعنوية للمجتمع، التي يجب الاستجابة لمطالبها حتى تستعيد الدولة دورها الذي وجدت من أجله.