معتصم باكراع
للحياة جانب مشرق نعيش به ونتفاءل معه لكي نحقق رفاهية السعادة التي نطمح لها وامتلاك المشاعر الإيجابية التي تفتح لنا نوافذ الأمل والحياة هو ما يبقي نظرتنا للحياة متشعبة بالعزيمة والإصرار لنتغلب على الصعاب ونحقق أهدافنا وطموحاتنا، ولكن متى تكون الإيجابية سامة؟
التجربة الإنسانية تمر بالعديد من المشاعر المتباينة والتي تتأثر بالحياة اليومية، فمشاعر فقدان شخص عزيز، أو تسريح موظف من عمله، أو حتى مشاعرنا أثناء مشكلاتنا المختلفة والمتفاوتة التي نواجهها، تختلف عن انعكاسات قوس قزح.
الإيجابية السامة هي نكران المشاعر السلبية وعدم القبول بها، فالأمر لا يتعلق بالنظرة السوداوية والتشاؤم، بل هو أبعد من هذه المشاعر إجبارك على عدم قبول مشاعرك هو مشكلة بحد ذاتها.
أي مشكلة تتعرض لها شعور بالحزن ومن ثم تتحدث عنها للأشخاص لأقرب شخص بحسب المشكلة والموقف التي تعرضت له فيكون الرد بأن الأمور على ما يرام وكل شيء في أحسن حال، ومن ثم تتحمل مسؤولية مشاعرك السلبية التي لم تستطع أن تعبِّر عنها، فالإنسان تختلف مشاعره كالفصول الأربعة حينما تتعاقب وينتج عن كبت تلك المشاعر إلى الأمراض العضوية المختلفة مثل ارتفاع ضغط الدم وغيرها.
إجبار النفس على التحلي بالإيجابية على الدوام وعدم إخراج هذه المشاعر وسماعها يسبب أوجاعًا جسيمة ونفسية للإنسان في مراحل أخرى من حياته.فالإنسان عبارة عن مجموعة من المشاعر التي يعبِّر عنها، ويتفاعل عن طريقها، وهنا أقتبس هذه المقولة ((لا ينبغي أن تركز الرفاهية الأفضل على السعادة فقط، لأنها تنفي تجارب بناء المرونة)) ويل ماكديرموت، معالج نفسي إكلينيكي.
فإذا لم تسمح بأن تخرج المشاعر الداخلية سوف تتراكم عليك وتكون من معاناتك المستقبلية وإنما تقبلها ودعها ترحل بسلام.
حينما تريد أن تعبِّر عن شعورك بالغضب أو الحزن أو أي مشاعر سلبية لا تقول أنا حزين أو أنا غاضب لأن هذه الحالة لا تمثل كيانك القائم، وتجاربك، قناعاتك، أفكارك، وإنما تستطيع أن تقول أشعر بالحزن أو أشعر بالغضب حتى تصف الحالة الشعورية التي تخالجك.
ومن ثم تتقبلها كما هي دون الحاجة لإقناع نفسك بأنك لا تمتلك هذه المشاعر وأنها سوف تثبطك هي بالفعل مشاعر سلبية، ولكن معرفتك بها وتصنيفها يمكنك من التعامل معها.
توضح عالم النفس الإكلينيكي الدكتور جايمي زوكرمان ((الإيجابية السامة هي افتراض مجتمعي بأن الشخص، على الرغم من ألمه العاطفي أو خطورة وضعه، يجب أن يسعى فقط للحصول على نظرة إيجابية، وتضيف أن غياب موقف التفكير الإيجابي أو المشاعر الجيدة فقط يجعل الناس يشعرون كما لو أن السعادة لا يمكن بلوغها وأن وجود مشاعر سلبية أمر خاطئ)).
كن صادقاً مع مشاعرك وأظهر تعاطفك مع الآخرين واستمع لهم فليست العبارات التحفيزية هي الحل السحري، لا يمكن اجترار المشاعر وخندقتها في جانب واحد فهي تتبدل ولا تتساوى، وإنما محاولة فهم المشكلة التي يتعرض لها الشخص مع توضيح المشكلات من النوع نفسه التي مررت بها ومحاولة طرح الحلول والمواساة أفضل من عبارة كل شيء على ما يرام، فالأمور لا تقاس بالإيجابية المطلقة دائماً.
ثقافة الإيجابية السامة ما هي إلا حلول قسرية أثناء مواجهة المشاعر السلبية مثل الحزن، والقلق، وخيبات الأمل على أنها سيئة بطبيعتها ويجب تجنبها على الرغم من أنها جزء طبيعي من التكوين الإنساني.
كما تقول المعالجة تاتشا بيلي ((الإيجابية السامة هي أسلوب غير مفيد في التعامل لأنه كلما قمنا بإخفاء مشاعرنا، شعرنا في النهاية بالسوء والإرهاق)).
الحياة لها جانبان عزيزي القارئ، إخراج مشاعرك وعدم تزييفها هو مصدر قوتك، ومعرفة حقيقة دوافعك ورغباتك وإخفائها هو حل تراجيدي لقمع المشاعر التي سوف تظهر على السطح وتؤثر عليك بطريقة أو أخرى.
معرفة مشاعرك الحقيقية والتعامل معها بممارسة طقوسك الخاصة في محاولة الخروج من المشاعر السلبية كالرياضة، والتأمل، وقراءة الكتب، أو الخروج مع الأصدقاء، بحسب أساليبك الترويحية هو أفضل من إنكارها أو تبديلها بمشاعر لا تحاكي واقعك.
قدرتك على مواجهة مشاعرك يعطيك القدرة على التنبؤ وحل مشكلاتك بطريقة صحية تعزز شعورك الداخلي تجاه نفسك.
هل تمارس الإيجابية السامة دون أن تشعر سواء مع نفسك أو الآخرين؟