عبدالمحسن بن علي المطلق
كان دهرًا تولى، أقصد فاصلاً بين آخر مرة شاهد هذا المكان، وعودته إليه الآن.
فما لبث غير مردد سبحان المغيِّر الذي لا يتغيَّر.
فحتى لو الإنسان لم يلمسه لأتت العواتي عليه بأنقاضها، مع كفّ القضاء القاسية أحيانًا.. ليتبدّل، وإن كان بدرجات، حسب غيبتك.. عنه، أو طول مكثك.
عاد ولم يحمد ما شاهد وبالتالي تأسّى على عودته، كما وتمنّى أنه لم يعد لتبقى تلك الصورة.. خالدةً لها في عقبه.
ثم ليس كل شيء سيبقى على حاله، فتمسي لذّته - عندك- كطعم القبلة الأولى..
وهذا لا جديد لتؤكّده، أو بحاجة لدليل يسنده..
رويدك فالصبابة لا تدوم
ولا يبقى لك الوجه الوسيم
.. أي إن تعد فلن تلفى ذاك
الذي كنت به يوما (من قبلُ) تهيم!
فإياك ومسّ الصورة.. التي أودعتها له حين ودّعت ذاك المطبوع (الحلو) بخيالك..
وخذ تأكيدًا ما جاء في [ذم الثقلاء] عَن الحكم بن صَخْر قالَ:
(حججْت فَرَأَيْت قومًا مُجْتَمعين فصرت إِلَيْهِم فَإِذا عَجُوز منحنية تبْكي على عَصا تسْأَل الأخبية: فَقلت من هَذِه؟
فَأَقْبَلت عَليّ الْعَجُوز فَقَالَت أَنا الَّتِي يَقُول فِيهَا الْأَعْشَى:
لم تمش ميلًا وَلم تركب على قتب
... وَلم تَرَ الشَّمْس إِلَّا دونهَا الكلل
ماروضة من رياض الْحزن معشبة
... خضراء جاد عَلَيْهَا مُسبل هطل
يضاحك الشَّمْس مِنْهَا كَوْكَب شَرق
... مؤزر بـ(عميم) النبت مكتهل
فعودًا على بدء..
لماذا تعبث به- .. حين تعود إليه؟!
ولماذا لا تدع للاشيء الجميلة رونقها بداخلك
ثم أنت لماذا تفتح على راكد حياتك (مُحاكاة) ذكريات لها وقعٌ داخلك لا يباريه من متع الدنيا ما يساوي جزئيةً منه؟!
بل هاك معنى نفيس القدر جليل المرامي أشار له من؟، إنّه المربي صلى الله عليه وسلّم بقوله: (لا يُبَلِّغُنِي أحدٌ من أصحابي عن أحدٍ شيئًا، فإنِّي أحبُّ أن أخرج إليكم وأنا سَلِيم الصَّدر)، الترمذي وابن داود وأحمد. وبالمناسبة فهذا درس كافٍ أن الإنسان فيه نقص وضعف أيضًا، فعلام تبعث ذاك الجانب..؟
ألا فخذ -لترتاح وتستريح- الصاحب على سجية تعامله معك، وجميل ما يظهر لك، لأننا (كلنا كالقمر له وجه مظلم)، أليس معروفًا منه أنه يداري عنك ما يراه يضايقك!
وإلا.. فعشْ وحيدًا، وكم هو حكيم ناصح «النابغة الذبياني» حين يُرسل عبر قرون:
ولست بمستبق أخاً لا تلمه
على شعث, أي الرجال المهذب؟