في مقر عملي بتعليم جدة في شارع قريش تقف شجرة المورينجا شامخةً في الجانب الغربي، وقد اكتشفتها وأنا أدخن سيجارتي، فموقعها بعيد عن الأنظار وليست في طريق المشاة لذلك لا أحد يعرفها.
فكنت أذهب إليها كل صباح خلسةً وأقف أمامها منبهرًا بطرحها الأبيض الزاهي، رغم أنها ليست من نبات هذه الأرض إنما هي مجلوبةً من بلاد بعيدة، فكانت تشتكي لي من الإهمال الذي يعتريها من كل جانب فلا تقليم ولا حتى سقيا، ورغم كل هذه الظروف إلا أنها تقف شامخةً وتزهر !
وأصبح هذا ديدني كل صباح أذهب إليها وأصطحب زملائي لأحدثهم عنها فيمتدحونها قليلاً ومن ثم يطفئون سجائرهم ويرحلون وأبقى وحدي بجانبها أهمس لها أنها جميلة وفاتنة ولم أرَ حُسنًا يفوق حسنها وأرحل .
وأعود في اليوم التالي لأجدَ أن المكان الذي كنت أقف فيه مملوءًا بأزهار المورينجا وأعرف أنها تحيةً منها على كلماتي ، ومما يبدو أن العلاقة بيننا توطدت حتى أصبحتُ أعتقد أنها تزهر من أجلي فقط. وبما أنني رجلٌ عربي فأنا لا أقبل أن آخذ دون أن أعطي فذهبت لمسؤول التشجير وقدمت شفاعتي لكل الأشجار التي في ذلك الجانب المهمل .
لا أخفيكم سرًا أنني أصبحت أخشى التقاعد وأحرص على عدم النقل حرصًا مني على رؤيتها والوقوف بجانبها كل صباح، وأنا لست ممن يعانون من جفافٍ عاطفىّ لكي أُحدثَ شجرة ، لكنني أعشق صفة العطاء والبذل وأقدسها حتى لو كانت من شجرة.
** **
سعد محمد البلادي - مدير الملتقى الثقافي بجدة