رواية (من أنا؟ عندما هجموا) للروائي حسين الأمير رواية متوسطة الطول تسرد قصة الشخصيتين (إحسان، ومايا) اللتين تنتميان إلى بيئتين مختلفتين تجمعهما علاقة عاطفية.
ويظهر من الرواية أنّ نقطة التقاء بطلي الرواية؛ انتماؤهما إلى فئة الأقلية في مجتمعين تعرضا إلى خطر الجماعات الإرهابية أو الأحزاب العنصرية ضد الأقليات في فترة زمنية محددة، والرواية بذلك تحمل قيمة فنية تميزها تتمثل في تعبيرها عن ثقافة البيئة المحلية المغلقة بما تحملهُ من تراث اجتماعي وديني ولغوي، مما يعد أحد مظاهر استجابة الرواية لسمات ما بعد الحداثة التي ظهرت في الأدب.
قدّمت الشخصيتان أحداث الرواية على لسانهما معبرتين عن تلك البيئتين الاجتماعيتين من الداخل، مع تداخل جزئي للسّارد الخارجي الذي جاء مُكمّلا لصوت الشخصيتين، والرواية بصورة عامة تبحث في صورة الهوية (الفردية، والجمعية) وعلاقتها بالآخر محاولةً إعادة اكتشاف نفسها في خضم أحداث خارجية تهدد وجودها.
تتضح الفكرة الرئيسة للرواية ابتداء من العنوان (من أنا؟ عندما هجموا)، فالجزء الأول من العنوان يمثل سؤالا يتعلق بالهوية بواسطة الحوار الداخلي الذاتي، في حين يتكون الشق الثاني من العنوان (عندما هجموا) من فكرتين متتابعتين الأولى تتعلق «بالآخر»، والفكرة الثانية بطبيعة العلاقة معه التي يتضح أنها سلبية «هجموا»، مما يقدم تصورًا سوداويًا لخط سير الأحداث حتى لو ظهر بعض التحسن الظاهري في مصائر الشخصيات ظهر ذلك في قفلة الرواية.
تتميز الرواية بتعدد الأصوات، حيث تتناوب شخصيتا: إحسان ومايا سرد الرواية؛ إحسان الذي ينتمي إلى البيئة الإحسائية الشيعية، ومايا التي تنتمي إلى البيئة العراقية المسيحية، مما أسهم في تداخل الرؤى واختلاف الأفكار تبعًا للصوت، مع استعمال الشخصيات اللهجة المحلية في الحوارات مما قرّب صورة المجتمع المحلي للمتلقي. فسمح التعدد اللغوي وتنوع أصوات الخطاب ورؤاها في خلق مساحة جيدة للموازنات، والتشويق، بالإضافة إلى التصور الواضح للفكرة العامة للرواية.
ومن أهم الآليات التي ساعدت في اتحاد الشخصيتين مع اختلاف مرجعيتهما الدينية، الثقافة الفنية المتقاربة التي جاء في الرواية ضمن الأشعار والأغاني الشعبية والفلكلورية المتبادلة بين الطرفين، فكانت نقطة إيجابية في تقوية العلاقة بينهما وبديلًا للغة العنف وصور السادية التي جاءت كسمة تميز الطرف الآخر الذي تمثله الجماعات الدينية المتطرفة وحزب البعث.
وشهدت الرواية تنوعًا جغرافيًا لا بأس به فدارت أحداثها بين دبي وبغداد والأحساء وأماكن أخرى، كذلك تنوَّعَ الفضاء المكاني المفتوح والمغلق الذي أفضى إلى حالات متضادة من الفرح والحزن، والأمل والألم طوال الرواية حتى استقرت على لحظة التنوير الإيجابية نسبيًا.
ورغم أن زمن الرواية الفعلي يبدأ 2015م وينتهي في منتصف 2016م. إلا أنه يُلحظ على الرواية استعمال تقنيات متنوعة للزمن مثل: الاسترجاع، والحذف، والتلخيص، والمشهد ترتب على ذلك ظهور خط سير الحبكة في هيئة ترددية بصورة عامة يغطي أحداثًا جرت منذ بداية الألفية إلى الحدث الذي مثّل لحظة التنوير 2016م.
وخرجت الرواية بقفلة إيجابية تتمثل بالتقاء بطلي العمل بعد نجاة إحسان من حادث مميت، إلا أن نجاح بطلي الرواية كان مرهونًا بخروجهما من بيئتهما الأصلية واللجوء إلى بيئة خارجية (أمريكا) وهذا ما صورته القفلة مما يعطي تصورًا باستمرار معاناتهما من التطرف الذي يشكل تهديدًا وجوديًا لهما في بيئتهما الأم.
يمكن القول إجمالا إنّ رواية (من أنا؟ عندما هجموا) للروائي حسين الأمير من الروايات السعودية التي نجحت في مقاربة موضوع شائك في قالب روائي مميز، فتكون بذلك تجربة روائية تستحق القراءة والاحتفاء.
** **
- د. سلطان العيسي