هل خطر ببالك يوماً سؤالاً: ما هي العلاقة بين الفن والسلعة؟ ... للإجابة على مثل هذا السؤال لابد من تكوين تصور واضح أولاً للسلعة!
السلعة كمفهوم اقتصادي: هي المنتج المبذول به مجهود «اجتماعي» و»يباع» في السوق. فلو تناولنا سلعة زراعية كالطماطم مثلاً، سنجد أن هناك فلاح زرعها وتاجر جملة اشتراها وبائع مفرق باعها ومستهلك اشتراها. ولو تناولنا سلعة صناعية كـ «الولاعة» مثلاً، سنجد أن هناك أرتالاً من البشر قد بذلوا «مجهوداً» لاستخراج وإنتاج الجزء المعدني منها؛ والجزء البلاستيكي؛ والحجر القادح؛ والغاز المخزون فيها. إذن السلعة هي منتوج «اجتماعي» وليس فردي.
بيد أن التعريف يفترض أن المنتج الاجتماعي هذا لابد أن يباع في السوق كي يطلق عليه اسم سلعة! وذلك لأن أي منتج لا يباع في السوق يكون مصيره إما الاستهلاك الشخصي أو التلف، وفي هذه الحالة هو ليس بسلعة. ولكي تتحقق «سلعية» المنتج الاجتماعي لابد من «الفن»! ... كيف ذلك؟
مستهلك السلعة يبحث عن الجودة العالية و»السعر» المنخفض! ولذلك لابد للفلاح أن يبحث عن بذور الطماطم الأكثر جودة؛ ويزرع في المناخ المناسب؛ ويستخدم كمية ونوعية السماد المناسبين؛ ويوظف «خبرته» والخبرة الاجتماعية المتراكمة لتحسين نوعية منتجاته؛ وهو ما يستدعي مجهوداً ليس ميكانيكياٌ وحسب؛ إنما «فنياً» بالضرورة! وهذا الأمر ينطبق ليس على الفلاح وحسب؛ إنما على التاجر والبائع بالمفرق والمجموعات التي تساهم في المنتج الصناعي كلها.
قيمة السلعة: هي مقدار الجهد الاجتماعي «الميكانيكي والفني» المبذول لإنتاجها. ومن هذا المنطلق فإن قيمة السلعة تزداد أو تنخفض بمقدار هذا الجهد، ومن المفترض أن «قيمة» السلع المتشابهة هي ذاتها في السوق. ولكن المشهد في السوق يختلف تماماً! فقوانين السوق تخضع لـ«العرض والطلب»؛ و»السعر» بالتالي ليس مساوياً بالضرورة لـ «القيمة»؛ إنما يكون أقل من القيمة إذا ازداد العرض وقل الطلب؛ والعكس صحيح!
إن هذا المشهد «السوقي» خلق ما يسمى «التنافس». وهو مطلوب لتطور الجودة الكمية والنوعية للسلعة، ولكن بشرط أن يكون ازدهار وتطور «الإنسان أو المجتمع» هو الهدف! أي أن «السلعة» تنتج من أجل الإنسان، وليس توظيف «الإنسان» لخدمة كمية وجودة السلعة.
ما يطلق عليه اسم «اقتصاد السوق»، هو توظيف الإنسان من أجل السلعة! وهو ما يمارس منذ العبودية حتى النظام الرأسمالي الذي نعيشه اليوم! أي استعباد الإنسان كي ينتج السلعة! وما حاول فعله الإتحاد السوفيتي السابق؛ هو أن الدولة تشتري كل ما ينتج وتبيعه للمستهلك؛ فقضت الدولة بذلك على التنافس؛ وبالتالي ثبت «السعر»؛ ولكن انخفضت جودة وكمية السلعة! والنظام الرأسمالي الحالي الذي وصل إلى مرحلة الاحتكار؛ قضى أيضاً على التنافس؛ غير أنه لا يعاني حالياً من انخفاض جودة وكمية السلعة؛ بل على العكس من ذلك؛ فما السبب يا ترى؟
السبب جلي وواضح: وهو إشعال الحروب لتدمير ما تم بناؤه؛ كي تستمر الحاجة للبناء؛ وإتلاف البشر والشجر والحجر؛ كي تستمر الحاجة للغذاء والدواء ومقومات الحياة! وبالرغم من ذلك كله فإن معدلات النمو في جميع الدول الرأسمالية في انخفاض مستمر! أي وصل هذا النظام إلى طريق مسدود، ولا توجد أي وسيلة لاستمراره؛ حتى الحروب الشاملة؛ التي ستؤدي؛ لو حصلت؛ إلى هلاك المنتج والمستهلك معاً. كما أن زرع النفسية الاستهلاكية لدى الناس وجعلهم يشترون ما لا حاجة لهم به وإتلافه فيما بعد؛ أو التصدق به على الجمعيات الخيرية؛ وخاصة في الدول النامية؛ لم ينقذ معدلات النمو المتدهورة في العالم الرأسمالي الأول كما يقال.
أما الصين فقد نهجت منهجاً آخر؛ وقررت أن الدولة تشتري ما ينتجه الفلاح أو الصانع؛ إذا كان ذلك المنتج لا يستطيع «المنافسة في السوق»؛ وبسعر أقل من سعر السوق؛ أي تأمين تحويل «المنتوج إلى سلعة» في جميع الأحوال؛ ولكن ذلك الفلاح أو الصانع سيحرص على تطوير إنتاجه كماً ونوعاً حتى يبيعه في السوق! وهو ما جعل من الصين خطراً يهدد النظام الرأسمالي برمته، حيث بلغت معدلات نموها هي الأعلى في العالم.
** **
- د. عادل العلي