دلالات حضارية وتاريخية غاية في الأهمية، يضيئها إنجاز وطننا الثقافي، باختيار «الدرعية» عاصمة للثقافة العربية للعام 2030، وما تبع ذلك الاختيار من اعتزاز وترحيب محلي، بانضمام الدرعية إلى هذا الاختيار العربي المؤثر، فليس من دليل أقوى على الثقة التي بات يمتلكها وطننا، من هذا الإجماع العربي، على نموذجها المتميز، على صعيد الثقافة محلياً وإقليمياً، ليأتي هذا الاختيار شهادة حق بمكانة وطننا، ودوره الحضاري والتاريخي على كل الأصعدة.
وفي المقام الأول، يشير الإنجاز بوضوح إلى الموقع الدولي الذي يحتله اليوم وطننا، بنشاطه الكبير وحيويته الجديدة الذي شيده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع - حفظهما الله ـ على دعائم راسخة من الاهتمام بالتاريخ والثقافة، وأثره في تحقيق تطلعات رؤية المملكة 2030، وتعزيز الجوانب التراثية والاجتماعية والاقتصادية في المملكة، ومن جسور الاعتزاز بالهوية العربية الأصيلة التي أقامتها مع المرتكزات الحضارية، ومن قيم العطاء والتضحية والبذل والسلام التي حملت راية إذاعتها بين البشرية.
بل إن وطننا ينظر إلى هذا الاختيار، كمنصة فاعلة، يتطلع عبرها أن يكون فاعلاً وإيجابياً ونشطاً في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو»، يستطيع من خلالها خدمة أولوياته الثقافية، ومسؤوليته في ترسيخ التاريخ والحضارة على الساحة العربية، عبر تنظيم العديد من الفعاليات التي تشمل كل عناصر الثقافة، وورش العمل الفنّية والعروض الخاصّة بالمسرح والسينما، والمهرجانات والمسابقات والأسابيع الثقافية، وتبادل الوفود والفرق الفنّية، وتأهيل المؤسسات الثقافية الموجودة وتطوير أدائها، ورعاية الإبداع وتشجيع المبدعين ودعم المثقفين وتنشيط السّاحة الثقافية.
مصادقة وزراء الثقافة العرب في اجتماعهم السنوي الذي تم عقده مؤخراً في دبي تحت مظلة منظمة «الألكسو»، جاء معبّراً عن جدارة «الدرعية» بهذا الاختيار، بعد تاريخ طويل من الجهود المخلصة، أثبت فيه وطننا أنه الوطن المتوازن الأكثر عقلانية وتأثيراً في المنطقة وحضارتها، كما ترك تأثيرات إيجابية كبيرة على كل القضايا الثقافية والتاريخية، من خلال رسالة مؤثرة، بذل وطننا كل الإمكانات والموارد لترسيخها، إرساءً لقيم الإبداع والتكاتف، وهو الذي كان على الدوام، في طليعة ما يحقق طموحات العرب، يقوده نحو التعاضد والتعاون والعمل المشترك، للاهتمام بالتراث والحضارة والتاريخ، وهذا ما يمثله واقعاً، بمقولة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز: «تمثل الثقافة بمفهومها الشامل قاسماً مشتركاً أساسياً بين شعوب العالم وعاملاً مهماً لتعزيز الأمن والسلم وترسيخ مفهوم التعايش والحوار العالمي من أجل مستقبل أفضل».
من يتتبع التاريخ القريب، يدرك حجم الاهتمام بالدرعية، خصوصاً مع الأمر الملكي بإنشاء «هيئة تطوير بوابة الدرعية»، في العام 2017م؛ الذي بات يشكل الانطلاقة لتعزيز القيمة التاريخية والحضارية للدرعية، وما وصلت إليه اليوم من مستويات عالمية في مختلف مشروعاتها القائمة، سواء في حي الطريف التاريخي، أو في منطقة البجيري، أو في ملفات المناسبات الثقافية والرياضية، وكذلك بما تعززه بتنميتها القوية من نمو وازدهار للاقتصاد الوطني في المستقبل.
وفوق ذلك، فوطننا مع كل هذه الإنجازات، بات اليوم مؤهلاً لقيادة الثقافة في المستقبل وأن يكون موطن تطوير الثقافة العربية، بروحه المحفزة للإيجابية، ومسؤوليته العربية الفاعلة، والتزامه بالتكاتف مع الجميع من أجل خير الجميع.