د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** فوجئَ بالدكتور طه حسين 1973-1889 م يهاتفه مباشرةً ويُحدثه بإيقاعٍ غاضبٍ حول ما وصفه بالعنوان السخيف الذي اختاره لموضوعه: (اللغة العاميةُ من تاني) حين احتواه العددُ نفسُه الذي نُشر فيه مقالُ العميد بصحيفة الجمهورية ، ويُكمل الأستاذ نعمان عاشور1987-1918 م أن طه حسين واصل تأنيبه لتطاوله على الفصحى، وترك سماعة الهاتف لسكرتيره الذي حدد معه موعدًا في اليوم نفسه ليلتقيَ بطه حسين في منزله (رامتان) بالهرم، ويضيف أنه لم يقبل اعتذارَه ولا احتجاجه بطبيعة الكتابة المسرحية وآراء جمعٍ من كبار الرموز الثقافية كرفاعة الطهطاوي، وهو ما بسط القولَ فيه الأستاذ نعمان عاشور أحدُ أعلام المسرح والصحافة في مصر في كتابه «مع الرواد، ص 32-28»
** عادى طه حسين العاميَّةَ بقوة، ونعى على من يكتبون أو يُضمّنون كتاباتهم شيئًا من كلماتها، وامتنع عن قراءة رواياتٍ ومسرحياتٍ لأن فيها حواراتٍ بالعامية، ولم يُعهدْ متحدثًا بغير العربية الفصحى المشكولةٍ رفعًا ونصبًا وجرًا وجزمًا وبناءً، كما لم يوثَّقْ له خلطُ كلماتٍ فرنسيةٍ بها؛ فحَمد له من اعتزَّ بهُويته وانتمائه هذا النهجَ الرائد، وعجبَ ممن صنَّفوه في قوائم التحذير.
** وفي الاتجاه ذاته كان بعض أساتذة الجامعات يُنقصِون الطلبة درجاتٍ بعدد أخطائهم النحوية والإملائية، ومرَّ زمن في إذاعة الرياض كانت الرقابةُ فيه صارمةً على من يَلحنون؛ فتُنشر قائمةٌ بأسماء المذيعين وأخطائهم وتصويباتها، وتوضع في إدارة الأخبار أمام الجميع كي ينتبهوا لأدائهم ويتلافوا ما غفلوا عنه.
** تبدل الزمن، وصارت العامية أصلًا، والأخطاءُ اعتيادًا، وخلط اللغات اعتمادًا، ولم تعد الوسائط الرقمية وحدها مقرَّ مُعاقي التمييز بين الفاعل والحال، والهمزة اليائية والواوية، بل امتدَّ الوباءُ إلى نخبٍ متعلمةٍ، ومنهم أساتذة جامعاتٍ مختصون باللغة العربية وآدابها، وفيهم ثللٌ تُعلن إرادةَ التغيير، ويعلو معها لواءُ النعي على الفكر الجامد من غير أن ترعى أو تراعي أساساتِ البيان العربيِّ القويم؛ فأين طه حسين عنهم؟
** لن يصف حالته عند سماع أو قراءة اللاحنين بأكثرَ من انصرافه عنهم غيرَ عابئٍ بما يمكن أن يجنيَه لو واصل معهم؛ ليبدوَ، ومن يرى رأيه، خارج هذا الزمنِ الذي جمع سوءاتِ اللحنِ والتصحيف والعامية والتجهيل بدعوى التيسير والتنازل عن جمال اللغة وصفاء أساليبها وتميز معجمها ودقة منطوقها ومكتوبها؛ فإذا رأينا تظاهرة اليوم العالمي للغة العربية الذي يُنظَّم للّغات الرسمية الست في الأمم المتحدة (الإنجليزية والفرنسية والروسية والإسبانية والصينية والعربية) في أيامٍ متفاوتة فإن ما ينقص هذه الحماسة العاطفية الاتجاهُ العملي نحو إصلاح الخلل في ميادين التعليم والإعلام والإعلان والإدارة بقراراتٍ نافذة.
** كفتنا قصيدةُ حافظ إبراهيم 1932-1872م : (رجعتُ لنفسي فاتهمتُ حصاتي) نعيَ الذات ورفعَ الشعارات وأداءً موسميًا قد تؤدي المبالغة في طقوسه إلى الإملال والتنفير فلا مزيد قولٍ، ونتطلعُ إلى تكثيف فعل.
** اللغةُ لا تنتظرُ طبولًا.