عبدالوهاب الفايز
في السنوات الماضية وبقيادة منظمات أهلية ودولية حقوقية وسياسية، برز في آليات العمل الدولي حركة قوية لتقنين حقوق الشواذ جنسياً أدت إلى حالة تطبيع غريبة بالذات في مجتمعات كانت قبل عقدين من الزمن تجرم السلوك الجنسي الشاذ، وتفرض حصاراً ثقافياً وقيمياً على مظاهر المثلية الجنسية، وتلتزم فقط بدعم الحق الإنساني والطبي للشواذ في طلب العلاج النفسي والمساعدة الإنسانية والاجتماعية للتخلص من هذا السلوك المنحرف عن الفطرة الإنسانية.
دعم المثلية والشذوذ الجنسي بهذا الصمود والعمل على تغيير القوانين في عددٍ من الدول لكي تحمي الحقوق وتمنع التمييز ضد الشواذ والمثليين أمر غريب ومحيّر! والحيرة تتسع عندما نرى مسؤولي وقيادات الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها ترضخ لإرادة وأهواء جماعات الضغط السياسية في بلادها. السؤال: هل نحن بصدد عالم جديد تحكمه قيم وأهداف وقدوات وتصورات مشتركة؟ هل الأمم المتحدة لديها عقيدة تتشكل وهناك من يعمل عليها لبناء نظام عقدي عالمي جديد، وتتخذ من الديمقراطية وحقوق الإنسان ذريعة لأجل فرض هذه العقيدة!؟
ثمة تفسير يراه بعض المراقبين لهذه الظاهرة يذهب إلى الاعتقاد أن تعظيم حركة الشواذ هو امتداد ونتيجة للبنية الفكرية التي تشكلت منذ منتصف القرن الماضي التي أطلقت حركات الحقوق المدنية، والحقوق الشخصية مما أدى إلى التوسع في تعريف الحريات الفردية وتقديس هذه الحريات وعدم تقييدها سواء بسلطة الحكومة أو بسلطة المجتمع. وهذه العقيدة المُعبَّر عنها بقوة داخل النخب الفكرية والثقافية الليبرالية المتطرفة التي تفرض حضورها في الإعلام الغربي المحسوبة على اليسار الثقافي والليبرالي وفي مؤسسات الفنون والثقافة، هي التي تعزز المخاوف داخل الجماعات المحافظة في الدول الغربية الرافعة لراية حماية الطفولة والأسرة. هؤلاء يرون أن السماح للمثليين في فرض أجندتهم السياسية والاجتماعية والحقوقية سيكون أخطر وسيلة لتفكيك المجتمعات البشرية وإضعاف مناعتها الدينية والأخلاقية عبر إلغاء الأسرة في النظام الاجتماعي.
وهذا التطرف الفكري والإرهاب الثقافي الذي تمارسه جماعات الضغط المدافعة عن حقوق الشواذ جنسياً هو أحد العوامل المغذِّية للتيارات السياسية المحافظة في أمريكا وأوروبا. ردة الفعل العنيفة التي نراها داخل الأوساط المحافظة ودخولها القوي في الشأن السياسي هو نتيجة طبيعية متوقعة للجهود التي تبنتها الجماعات المدافعة عن حقوق المثليين وللمواقف السياسية الداعمة لها خصوصاً الحزب الديموقراطي أيام الرئيس أوباما الذي تبني دعم حقوق المثليين مقابل الحصول على أصواتهم. كل فعل يؤدي إلى ردة فعل!
وبالطبع.. ردود الفعل في مجتمعاتنا لن تقل حدة وضراوة في الرفض كما هو الحال في المجتمعات الغربية التي لديها المخاوف والتحفظ القوي على تطور التشريعات والقوانين الداعمة للمثليين ولديهم الخوف على مكانة الأسرة ودورها. الشعوب العربية والإسلامية لها هويتها وخصوصيتها التي تنبع من دينها وثقافتها وتاريخها ومصالحها العليا. ومن حقنا أن نسأل: هل من حق طرف اعتباري إقليمي أو دولي وضع مصالح وحقوق الشواذ مقياساً ومؤشراً لتطبيق حقوق الإنسان حتى تحاكم وتحاسب عليه الدول؟ ماذا عن حدود السيادة الوطنية للدول حين النظر لهذه القضايا؟
المؤسف المخيف في التجربة الإنسانية المعاصرة تسابق عدد من الحكومات الغربية إلى تقنين زواج الشذوذ خلال السنوات القليلة الماضية، وإلى تقرير مبادئ لدعم الشذوذ والاعتراف به وحماية ممارسيه بقوة القانون، فنقد الشذوذ الجنسي ومهاجمته أصبح تمييزاً وحثاً على الكراهية. وقد استخدمت الحكومات الغربية الأمم المتحدة لمزيد من الحماية للشذوذ.
وربما تتساءلون الآن: ماذا يهمنا كدول عربية وإسلامية في هذا الأمر؟
إننا نعيش في عالم تتقاذفه الأهواء والمصالح، ونحن دول تتأثر وتؤثر في الشأن الدولي والإقليمي ولن نكون في معزل عن نيران المصالح والأهواء والمشاريع التخريبية. والأمور التي تهم القضايا الإنسانية سوف تكون مطروحة في النظام الدولي وستبقى ورقة ضرورية لإدارة الصراع السياسي توضع على الطاولة في الوقت المناسب. والذي يهمنا، حكومات وشعوب عربية وإسلامية، الاستمرار والإصرار على رفض المساس بمصالحنا العليا. الأمور الأساسية المطروحة في الشأن الدولي بالذات قضايا حقوق الإنسان لنا موقفنا الواضح الصريح منها والنابع من تعاليم ديننا أولاً، فهي شأن سماوي ليس لنا خيار التنازل عنه أو العبث به ومنها قضايا الشذوذ الجنسي.
الحكومة السعودية لها موقفها الصريح من هذا الموضوع وأعاد التأكيد عليه مندوب المملكة الدائم في الأمم المتحدة الأستاذ عبدالله المعلمي، فالمملكة تحفظت على نص قرار الأمم المتحدة حول (الهوية والميول الجنسية غير المتفق عليها وتعارضها مع هويتها العربية والإسلامية التاريخية). وأيضاً بيان سماحة مفتي المملكة أرجع هذا الأمر إلى مرده القيمي الطبيعي، بعيداً عن السياسة وتجاذباتها، أي إلى الفطرة السليمة التي يقرها الدين الإسلامي وتقرها الأديان السماوية الثلاثة، فالشذوذ الجنسي محرم ومرفوض ولا يمكن المساومة عليه وتشريعه، ولا يدخل تحت مظلة الحقوق الأساسية للإنسان.
أحد مقومات السلام الاجتماعي وصيانة الجبهة الداخلية لدولنا نجده في (ضرورة المحافظة على الأسرة وحماية دورها) الحيوي للتنشئة الاجتماعية. تفكك المجتمعات والدول يبدأ من تفكك الأسرة وتهميش وإضعاف دورها. اليوم هناك منظمات دولية وإقليمية تعمل بإخلاص وبدأب لفرض رؤيتها المتعلقة بدور الأسرة وبتنوع الأسرة (رجل مع رجل ونساء مع نساء)، واستشراء المفهوم في المجتمعات العربية مهدد لنسيج المجتمع العربي وتهديد حقيقي جديد لأمنه القومي. هل من متعظ ومعتبر، والأهم مستعد للمواجهة؟!