م.تامر زياد غزال
تعد الحضارة العربية واحدة من أهم الحضارات نسبيا.. مقارنة مع حضارات أخرى جاورتها كالهيروغليفية والفينيقية والحميرية والمسمارية والعبرية وغيرها.. فقد احتلت مكانا مهما في تاريخ الثقافة الإنسانية.. وعرفت انتشارا واسعا لارتباطها بالإسلام وغيره إلا أن تلك الحضارة اليوم.. تواجه خطرا يهددها في سياق التحولات التي يتعرض لها العالم العربي.. بإقبال كُتّابه ومثقفيه ونسائه ورجاله على الحضارة الأجنبية الأخرى.. نظرا لما تتيحه من مزايا متعددة، وهذا الأمر ليس ناشئا عن خلل في حضارتنا نفسها وإنما سببه هو أن البحث العلمي والإنتاج الأدبي والثقافي بشكل عام يخضع لتحكم ذوي الاقتصاد القوي.. وبما أننا في عصر اقتصاد المعرفة فكل شيء أصبح له ثمن وأصبحت المعلومات والبيانات أيضا بضاعة تباع وتشترى كسائر البضائع الأخرى.
مثلا: إن تراجع حضارتنا العربية مرتبط بنُدرة أو ضعف المؤسسات التي تشتغل في مجال الإعلام الثقافي أولا وعجزها عن دعم اللغة العربية بالشكل المطلوب.. ويُرجِع الباحثون والكتّاب والقائمون على مثل هذه المؤسسات السبب إلى ضعف الميزانيات والدعم المادي المرصود لها لأن القادة السياسيين وواضعي الميزانيات لا يجعلون الثقافة في صلب اهتماماتهم فلا ترصد للبرامج الثقافية التي تدعم اللغة العربية على مستوى الوطن العربي سوى إمكانات مادية ولوجستيكية ضعيفة على الرغم من وجود بعض المحاولات القوية التي تدعمها بعض دول الشرق الأوسط وهي محاولات متميزة وتستحق التشجيع والتنويه لأنها تسعى جاهدة إلى تقديم اللغة العربية في حلة جديدة تستجيب لمتطلبات الواقع.
ولعل الجمود الذي لحق بحضارتنا منذ قرون يعد أحد أسباب تراجع الفكر العربي وعدم الاعتزاز بها.
فالحضارة العربية لم تتطور على الرغم من أن السياق الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للمجتمعات العربية في تغير مستمر ومع ذلك فلغته ما زالت كما هي والبيئة كما هي.. والعقلية كما هي أيضا.. خصوصاً الجزء المتعلق بالتراث الذي ما زال كما هو جامداً ومعقدا ولم يتطور، وهذا من الأسباب التي دفعت الكثير من الشباب للعزوف عنها والاستغناء عنها تحت بند التطور والانفتاح.. والمفارقة العجيبة التي نستخلصها في هذا الصدد هي أن المرء سيجد كل ماتعلمه منذ صغره في الحياة ولن يجدها في باقي الحضارات... فبالعودة إلى المثال السابق:
في اللغة العربية عشرات المفردات والأسماء لحيوانات الصحراء ولكن لن يجد فيها أيا من هذه المفردات التي ذكرناها سالفا أي التي تتعلق بوسائل التكنولوجيا الحديثة بهذا المعنى تصبح اللغة العربية فقيرة المفردات والتعبيرات عاجزة عن اللحاق بالاختراعات وأسمائها التي أنتجها العالم الأول وما زال ينتجها في وفرة هائلة.
ثمة كتابات متعددة ومتنوعة من كُتاب وكاتبات من مختلف الأقطار العربية يكتبون بلغتين أو أكثر فإلى جانب اللغة العربية يكتبون بالإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية أو الإسبانية أو غيرها من اللغات التي اقترنت بالحضور المباشر في الوطن العربي عن طريق الاستعمار المباشر أو غير المباشرأو التي أتتنا من كُتاب ومثقفين غادروا الوطن العربي في اتجاه الغرب بسبب الحرب أو القمع السياسي والديني حيث تجد عقولا كثيرة غادرت من أجل أن تنعم بالحرية والكرامة الإنسانية، والحقوق التي سُلِبتْ منها في بلدانها الأصلية كحرية التعبير والرأي في الشأن السياسي والديني.
هذه الازدواجية في الكتابة أو في التعبير عن متطلبات شعوب المنطقة العربية لها جانب إيجابي وسلبي الإيجابي هو أن هؤلاء الكُتاب أصبحت لديهم مكانة مهمة في بلدان المهجرللدفاع عن قضايا الشعوب العربية ومطالبها وحماية تراثها الثقافي من الاندثار وتقديمه للشعوب الأخرى في قالب جديد في إطار ما يسمى التلاقح الثقافي.
والجانب السلبي هو أن هذه الازدواجية عمقت الأزمة في الكيان الداخلي للغة العربية وأعطت الشرعية للغات أخرى على حساب اللغة العربية وهذا المأزق دفع العديد من المثقفين والمفكرين إلى إحداث مراكز ثقافية في الدول التي يقطنون بها للدفاع عن اللغة العربية وللتعريف بها وبتراثها الثقافي والحضاري وهذه إضافة حقيقية تحسب لهؤلاء الكتاب والمبدعين العرب....... رفعت الأقلام وجفت الصحف.