د.فوزية أبو خالد
كما جرت العادة تحتفل الأمم المتحدة في الثامن عشر من الشهر الأخير للسنة الميلادية بيوم اللغة العربية بعد إقرار هذا اليوم قبل ما يقارب خمسين عاماً بجهد من المملكة العربية السعودية ومشاركة من المملكة العربية المغربية لتصبح به اللغة العربية من تاريخه (1973م) اللغة العالمية السادسة التي يجري العمل بها في أروقة الأمم المتحدة بما فيها إصدارات المواثيق الدولية الرئيسة مثل ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان حقوق الطفل حقوق المرأة وسواها من المواثيق الحقوقية، إلا أن الاحتفاء الأممي باللغة العربية جاء هذا العام (2021م ) بشكل نوعي عبر مبادرة مجمع الملك سليمان العالمي للغة العربية بالتعاون مع بعثة الوفد السعودي الدائم للأمم المتحدة وعبر إقامة مؤتمر دولي للتواصل الحضاري للحوار والتباحث في كيفية تمثيل اللغة العربية إبداعيا وعدليا على هذا المنصة الدولية الحيوية.
لقد كان اللقاء من مؤتمرات اليوم الواحد التي يكون التكثيف الاحترافي أحد أسرار نجاحها وقد شارك فيه ممثلون أكاديميون عن أقسام اللغة العربية بجامعات أمريكية وأعضاء من الوفود الدولية الدائمة وأمناء مختلف منظمات الأمم المتحدة وعدد من طلاب الدراسات العليا للغة العربية وكذلك الملحقية الثقافية السعودية بالعاصمة الأمريكية بما يجعل المجهودات التي بذلت في تحقيقه على أرض الأمم المتحدة بنيويورك في وقت قياسي حاول أن يستشفى من التعطيل الذي خلقته الظروف الصحية العالمية لكوفيد - 19 ببلسم اسمه اللغة العربية.. تستحق التسجيل على جدار الوجدان وعلى شريط الذاكرة ممثلة في فريقيَ العمل الوطني، الفريق المبادر من مجمع اللغة العربية بالرياض وفريق الوفد السعودي الدائم في تعاونهما السيمفوني الذي اجترح شراكة التخطيط والإعداد والتنفيذ لهذا العمل بإشراف الأمين العام للمجمع د. عبدالله الوشمي ومعالي مندوب المملكة العربية السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة السفير عبدالله المعلمي.
استهل اللقاء بفراشات الدهشة التي أطلقها د. الوشمي عبر تحية «أهلا وسهلا» في تحليله البديع لجمال اللغة العربية لمعنى هذه الكلمة ورمزيتها المشتقة من موقف فلسفي يقاوم غربة الارتحال بقول أهلا وكأن الضيف يصير من أهل المضيف من لحظة بلوغه الأولى أرض الضيافة نافضا عنه غبار الرحيل وجروح الغربية، بل كأن الأرض نفسها تغير طبيعتها الوعرة وتتحول عن قسوة وعر الارتحال للين سهل الضيافة... فأهلا وسهلا
وكانت كلمة معالي السفير المعلمي تمثيلا إضافيا لجمال اللغة العربية وتفاعلها العدلي على المنصة الدولية بحديثه عن اللغة العربية في بعدها اللغوي كلغة للأدب ولغة للدبلوماسية وللسياسة وللعلم إلى الحديث عن أبعادها المتعددة الأخرى باعتبارها لغة الإعجاز القرآني الخالد وباعتبارها تعبيرا حيا متفاعلا وطنيا وأمميا على المستوى الفكري والروحي والفلسفي للناطقين بها من أهلها ولم تغب عن جدول المؤتمر الافتتاحي كلمة ضافية عن أهمية حضور اللغة العربية على المنصة الدولية لوزير الثقافة الأمير بدر بن فرحان رئيس مجلس أمناء مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية.
********
وكان من الجميل تمثيل مؤتمر اللغة العربية عبر علاقاتها الإبداعية بعدد من المجالات المعرفية وفي عدد من الفضاءات المعرفية فاشتملت طروحات المؤتمر الحديث عن علاقة اللغة العربية بمجال المسرح ومجال العمارة العربية والإسلامية ومجال الأدب وأدب الطفل ومجال القانون ومجال الفقه ومجال كتابة المواثيق الدولية ومجال المعارف العلمية بالإضافة للحديث عن اللغة العربية في موروث المخطوطات التراثية وكذلك في مجال فن الخط العربي التقليدي والحديث وقد عرضت في قاعات المؤتمر وردهاته لوحات فنية خلابة تمثل آيات قرآنية ومؤثرات وكلمات من الحكمة والشعر لفنان الخط السعودي مازن أنديجاني كان بالنسبة لي اخاذا الحديث الأكاديمي الذي قدمه أساتذة محترفون في الأكاديميا الأمريكية عن العلاقة بين تعليم اللغة العربية وبين الجسر الإنساني الذي تمثله اللغة العربية في تعليم طلابها روح اللغة العربية مع حمولتها المعرفية والاجتماعية والسياسية في الوقت نفسه بأمثلة لتجارب تعليمية للغة العربية استطاع أن يتعلم طلاب العربية من خلالها تعليما نقديا لمواقف الغرب الاستشراقية تجاه المجتمعات الناطقة باللغة العربية واستطاع طلاب العربية من خلال تعلمهم للغة العربية تعلم عدالة قضاياها وتطوير وعي نوعي بمجتمعاتها وبمجالات المعرفة المتعددة فيها من الأدب للموسيقى ومن ذائقة الطعام والمعمار إلى السياسة والاقتصاد.
بقي موضوع حيوي خرجتُ به من اللقاء وإن كان يحتاج وقفة أطول. فقد كان لافتا لي ولحضور المؤتمر تلك التجارب التي تحدث عنها أصحابها بخصوص حضور اللغة العربية بالمجتمع العالمي في مراكز علمية متخصصة وفي جامعات ومعاهد تعنى بتعليم اللغة العربية مثل ماليزيا والمالديف وإسبانيا والصين وقد ألقى بعضهم لزهو المنظمين للمؤتمر والحضور كلماتهم بلغة عربية صافية..
وبعد لعل هذه قطرة من غيث حضور اللغة العربية على المنصة الدولية..
وللحديث بقية..