م. بدر بن ناصر الحمدان
لدي قناعة شخصية أن بناء أعضاء فريق عمل مؤهل وقيادي خاصة من الجيل الجديد يحتاج إلى شيء من المغامرة، والعمل على الزجّ بهم لخوض تجارب حقيقية، لاختبار مدى استعدادهم لذلك، لكن بعد التأكد من أنهم قد وصلوا إلى الحد الأدنى من القدرة على مواجهة المهام والمسؤوليات، عليك أن تتصرف كما لو أنه من المستحيل أن يفشلوا، لا تنتظر إلى حين وصولهم للنضج الكامل، فهذا اليوم لن يأتي، ما لم تبدأ بمنحهم مساحة كافية للانطلاق من اليوم، تذكّر فقط أن تكون مستعداً لتحمل مسؤولية كل ذلك عنهم في المرّة الأولى فقط، بعد ذلك سيفاجئونك بأداء مُبهر لم تتوقعه أبداً، ثم هيئ نفسك لترك مكانك لهم في المستقبل، فهذا سيكون أعلى درجات الإنجاز التي قد تصل إليها في حياتك العملية.
قبل سنوات تم تكليف الإدارة التي كنت مسؤولاً عنها بتنظيم حدث إقليمي كبير، يفوق حجم وقدرات وممكنات هذه الإدارة، إضافة إلى أنها كانت تمثل تجربة جديدة على فريق العمل، وكانت الموارد التي يمكن توظيفها من أجل تنظيم هذا الحدث الكبير لا تفي بما هو متوقع من تكاليف وأعمال وجهود، بالإضافة إلى أن رئيسي المباشر أبلغني حينها أن الإدارة العليا تطمح إلى أن يكون التنظيم مبتكراً وبشكل احترافي، مما جعل المهمة أكثر مسؤوليةً.
لم يكن لدي في تلك الأثناء الكثير من الخيارات، أو القدرة على تحمل تكاليف جهة منظمة، أو الاستعانة بفرق لديها الخبرة في إدارة مثل هذا النوع من الفعاليات، حينها كنت أمام قرار واحد فقط، هو المغامرة بفريق عمل الإدارة الذي كان خليطاً بين جيل شاب في أغلبيته وآخرين مخضرمين لديهم الرغبة والالتزام لكنهم يفتقدون إلى التجربة والمعرفة بمثل ذلك التنظيم. في الاجتماع التحضيري الأول، ذكرت لهم أننا أمام تحد كبير ولا نمتلك أية بدائل، إما أن نُقرّر تولي هذه المهمة بأنفسنا وبشكل ذاتي، أو نعتذر عنها قبل فوات الأوان، وتركت القرار لهم.
بالرغم من مرور كل هذه السنوات، لازلت أتذكر جيداً ردة فعل هؤلاء الزملاء في فريق العمل، حينما أجمعوا وبصوت واحد على استعدادهم لتحمل هذه المسؤولية ورغبتهم في إثبات قدراتهم لاسيما الشباب منهم، قررنا على الفور أن نمضي قدماً، وانطلقنا في أعمال التحضير على مدى أشهر مليئة بالعمل والحماس والتدريب والتعليم والتجربة والتحدي، حتى وصلنا لتاريخ الحدث، وكان الجميع يومها في الموعد، وعند حسن الظن، وكسب الرهان على جيل أثبت لنفسه أولاً وللآخرين أنه على مستوى كبير من المسؤولية.
بعد سنة واحدة فقط، وصل أغلب هؤلاء الشباب من فريق العمل ممن خاضوا تلك التجربة إلى مواقع قيادية على مستوى الإدارات والأقسام والمشاريع، ومنهم الآن من ذهب إلى أبعد من ذلك وأصبحوا مدراء تنفيذيين في جهات أخرى، وفي زمن قياسي، لا لشيء فقط إلا أنهم استثمروا الفرصة التي أُتيحت لهم، وقرروا المغامرة المحسوبة من أجل الذهاب إلى الأمام، أنا واثق أن منهم من سيقرأ هذا المقال وسيتذكر ما حدث جيداً، وسيكون فخوراً بنفسه وما قدمه حينها.