«الجزيرة» - الاقتصاد:
يشكَّل الابتكار جزءًا من الأنشطة اليومية لأرامكو السعودية في مجال إنتاج النفط الخام بموثوقية، وتطوَّر ذلك بمرور الوقت، لتشرع الشركة في عام 2001م في تشجيع الابتكار رسميًا والحصول على الملكية الفكرية للأفكار المطروحة. وإلى جانب تركيزها على بناء قاعدتها من براءات الاختراع، بدأت الشركة في تأسيس بنية تحتية لتشجيع الأفكار الجديدة وتعزيزها، كما أطلقت حملات توعوية، وطلبت من الموظفين تقديم أفكارهم من خلال بوابة إلكترونية مخصصة للابتكار. وعزّز هذا التوجه إنشاء مجلسٍ للابتكار لقياس الأداء في مجال الابتكارات، بعد أن وُضعت إجراءات لحماية الأفكار من خلال براءات الاختراع وتقديم حوافز مالية للمبتكرين.
إعطاء الأولوية للأفكار
الابتكار في أيّ شركة ليس مجرد إنجازات تقنية، ومنذ البداية، دعا مجلس الابتكار في أرامكو السعودية الموظفين في كافة مجالات الأعمال لإيجاد طرق لتحسين طريقة عملهم، سواءً كان عاملًا في معمل يحل مشكلة بتغيير قطعةٍ ما، أو موظف تسويق يفكر في كيفية تحسين انتشار المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد شهدت عجلة الابتكار في الشركة تسارعًا في السنوات القليلة الماضية من خلال وضع مؤشرات الأداء الرئيسة لكل إدارة، مما أسفر عن زيادة المشاركة من 20 % من الموظفين في عام 2018م إلى أكثر من 60 % في عام 2020م، حيث قدّم الموظفون في هذا العام 2021م حوالي 60 ألف فكرة جديدة، نُفّذ منها أكثر من 9 آلاف فكرة. وقد وفّرت الأفكار التي تم تنفيذها حوالي 400 مليون دولار.
الاستثمار في المواهب
يُعد الاستثمار في العلوم الأساسية والتقنية عاملًا رئيسًا بالنسبة للأفكار التي تؤدّي لتغييرات نوعية والتي تنتج عنها براءات اختراع. ويأتي حوالي 75 % من براءات الاختراع من المراكز البحثية في الشركة التي تشمل المراكز البحثية في مقرها الرئيس في الظهران - مركز الأبحاث والتطوير، ومركز إكسبك للأبحاث المتقدمة - إذ أنشأت الشركة شبكة من المختبرات العالمية، آخرها في العاصمة الروسية موسكو في عام 2018م. وتوجد هذه المختبرات بالقرب من مراكز المواهب لاستقطاب أفضل الخبرات. فعلى سبيل المثال، يوجد في هيوستن بالولايات المتحدة الأمريكية قدرات في تقنيات النفط الخام والغاز، في حين تحتفظ مدينة ديترويت بتاريخها في أبحاث وتطوير السيارات، فيما تركز كوريا الجنوبية على تقنيات الاستدامة.
وتعمل أرامكو السعودية كذلك وتتعاون مع جهات أكاديمية ومؤسسات بحثية رائدة، مثل استحواذها على 70 % من «سابك» التي تزخر بالملكية الفكرية، إضافة إلى خبرتها في الكيميائيات والبوليمرات. ولديها كذلك ذراع خاص برأس المال الجريء يدعم الشركات الكبرى في عدة مجالات مثل: الطباعة المعدنية ثلاثية الأبعاد، وتطوير أجهزة الاستشعار.
حماية الملكية الفكرية
براءات الاختراع هي ما يميّز الجهة البحثية القائمة على أسس سليمة. وبالتوازي مع الاستثمار في مجال البحث والتطوير، جرى تعزيز مجموعة إدارة الملكية الفكرية في أرامكو السعودية. وعُين، منذ عام 2012م، فريق محامين متخصص في مجال براءات الاختراع لاغتنام الأفكار، وحماية الحقوق المتعلقة بها.
وأفضى ذلك إلى زيادة براءات الاختراع بمقدار خمسة أضعاف بين عامي 2015م و2020م، مع منح 683 براءة اختراع أمريكية في عام 2020م - إذ تفوقت الشركة بهذا الرقم على غيرها من شركات النفط النظيرة حول العالم - إلى جانب تقديم 1,183 طلبًا آخر. إضافةً للأهمية الفائقة لبراءات الاختراع بالنسبة للأعمال التجارية من حيث تحسين العمليات الداخلية، وتوفير فرصٍ للتسويق الخارجي، فإنها طريقة فعّالة في أرامكو السعودية لجذب أفضل الكفاءات البحثية.
إلى جانب الابتكار في المملكة، تسعى أرامكو السعودية بشكلٍ حثيث للابتكار على مستوى العالم، وبينما يقع المكتب الرئيس لأرامكو فنتشرز في الظهران، فإن لها مكاتب أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والصين. تتكون أرامكو فنتشرز من ثلاثة صناديق مختلفة:
شركة أرامكو السعودية لمشاريع الطاقة التي أطلقت في عام 2012م، وهي برنامج رأس المال الجريء لأرامكو السعودية بقيمة 500 مليون دولار. وتستثمر في التقنيات التي لها قيمة إستراتيجية للشركة مع التركيز على الحلول المستدامة. تشمل هذه التقنيات تصنيع خلايا وقود الهيدروجين بوتيرة أسرع وسعر أرخص باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد، وتحسين الأداء في مجال الشحن باستخدام الذكاء الاصطناعي.
«الازدهار» هو برنامج رأس المال الجريء للنمو المتنوع التابع لأرامكو فنتشرز، ويستثمر في الشركات الناشئة خارج قطاع الطاقة في الصين والولايات المتحدة الأمريكية. واستثمر هذا البرنامج، الذي أُطلق في عام 2019م وبلغت تكلفته مليار دولار، في تقنيات تصميم أشباه الموصلات مفتوحة المصدر، والروبوتات، والمخازن السحابية، والتقنيات المالية، وقواعد البيانات المتسلسلة، والذكاء الاصطناعي وغيرها.
تتولّى أرامكو فنتشرز كذلك المسؤولية عن مشاركة الشركة في صندوق الاستثمارات لمبادرة شركات النفط والغاز بشأن المناخ على مستوى قطاع الطاقة، والذي أُطلق في عام 2017م ويركّز على الاستثمارات في مجال احتجاز واستخدام وتخزين الكربون، وتقليل انبعاثات الميثان وثاني أكسيد الكربون.
وتسعى أرامكو فنتشرز لمواكبة الابتكار على المستوى العالمي من خلال إدخال تقنيات جديدة في سلسلة الإمداد في أرامكو السعودية، وتحديد التقنيات الناشئة التي يمكن أن تستثمر فيها الشركة.
مع النمو والتطور المستمر لبيئة الابتكار، فإن الخطوة التالية لأرامكو السعودية كانت افتتاح مركز جديد للابتكار، هو (المختبر 7) والذي افتُتِح في أكتوبر 2021م. ولهذا الاسم أهمية بارزة فقد أُطلق تيمنًا بالبئر رقم 7، أول بئر نفط تجاري في المملكة العربية السعودية. المختبر 7 يمكن أن يشكِّل مصدرًا آخر للدخل في المملكة، إلا أن مصدر الدخل هذا سيكون هذه المرة من الأفكار وليس من النفط.
صُمم مبنى (المختبر 7) ليضم حوالي 19 مشروعًا و300 مبتكر في آنٍ واحدٍ، ومن المتوقع أن يأتي 60 % منهم تقريبًا من خارج أرامكو السعودية، علمًا أن هناك مجموعة من المشاريع قيد التنفيذ في مختبر مجاور، وجاهزة لتُنقل للمختبر الأحدث فور الانتهاء من تأسيسه. وسيعمل المبنى بطريقة ستكون مبتكرة وفريدة، عبر تقنية ذكية تتعرف على الزائرين المسجلين، وتمنحهم إمكانية الوصول إلى المعدّات التي يحتاجونها، وحتى ضبط درجة حرارة الغرفة حسب رغبتهم. كل هذا سيمكّن أرامكو السعودية من تعزيز ثقافة الابتكار من خلال رحلة التحوّل التي بدأتها منذ حوالي 20 عامًا.