د.عبدالله بن موسى الطاير
كثافة قصف التحالف العربي، جواً وبراً وبحراً، أربك الحوثيين، وعزز فرص الانقسام في صفوفهم، وزاد من وتيرة كذب قياداتهم على الرأي العام المحلي والعالمي، وفي الوقت الذي لم تكن فيه تلك الجماعة الإرهابية تصغي للنداءات التي تطلقها المنظمات الدولية أصبحت تعقد المؤتمرات الصحفية في الشوارع لاستدرار العطف، وتستخدم في بياناتها الإعلامية عبارات تتهم الأمم المتحدة «بعدم تحريك ساكن»، وتتهم التحالف العربي «بانتهاك القانون الدولي»، وتعتبر لغة القوة العسكرية التي يتحدث بها التحالف هذه الأيام خارجة على «القوانين الإنسانية والاتفاقيات والمواثيق الدولية».
الحوثيون جماعة عقائدية، متخلفة ثقافياً، وأمية سياسياً، وجدت نفسها تحكم بلداً مثل اليمن بعد انقلابها على السلطة الشرعية بسبب خيانات بعض اليمنيين النافذين لبلدهم. لم ينفذ الحوثيون قرارات الأمم المتحدة، وبخاصة قرار مجلس الأمن 2216، ولم يكن الحوثي يكترث بالمجتمع الدولي، فعقيدة الولي الفقيه ترى نفسها معنية بتطبيق شرعها اعتماداً على ولاية الفقيه في طهران. فيلق بدر ومن ورائه الحرس الثوري هو المعني بالمجتمع الدولي، أما الجماعة فبإحكام قبضة إيران على اليمن.
فجـأة وجد الحوثي نفسه تحت لهيب القنابل التي تنهمر من كل الاتجاهات، والقوات البحرية تحبط وصول الإمدادات العسكرية القادمة من إيران، وسلطنة عمان تحكم السيطرة على حدودها، وإيران تنخرط في حوارات سياسية مع المملكة، وتوجه كل جهودها للمفاوضات الجارية في فيينا تحت تهديدات أمريكية وإسرائيلية بعمل عسكري في حال الفشل، وأيضاً وجدت الجماعة نفسها يتيمة بعد نفوق الإيراني حسن إيرلو. بسبب هذا الضغط الخانق تذكر الحوثي أن هناك قانوناً دولياً وإنسانياً، وقد كان قبل ذلك يرى في توجه المملكة للمنظمات الدولية والإنسانية ومطالبتها بتطبيق قرار مجلس الأمن، وبلجم العدوان الحوثي على الأعيان المدنية السعودية، بأنه ضعف سعودي وعدم قدرة على مواجهة طائراتهم المسيرة وصواريخهم الباليستية المصنوعة إيرانياً.
ولتبرير حجم الخسائر وتخفيف حدة الصدمة التي أرعبت أتباع الحوثي لجأ القيادي في الجماعة الانقلابية محمد علي الحوثي إلى تصوير العمليات العسكرية على أنها عدوان «أمريكي بريطاني سعودي إماراتي» مسنود بحلفاء آخرين، ظناً منه أن هكذا تهويل سوف يعزز إيمان الجماعة بأنهم «مستضعفون» في وجه «الاستكبار العالمي». ويدرك محمد علي الحوثي أن هذه التصبيرة لن تصمد كثيراً، فالحوثي ليس نسيجاً وحده وإنما هو مكون في نسق اجتماعي تعود البعض فيه على تأجير الولاءات، والتنقل من معسكر إلى آخر حسب مصالحه الشخصية، وهذا يؤرق ولي الفقيه في اليمن عبدالملك الحوثي.
شدة العمليات العسكرية التي يقوم بها التحالف نتيجة حتمية لحسابات الحوثيين الخاطئة؛ فقد توقعوا أن الإدارة الأمريكية، التي رفعتهم من قوائم الإرهاب سوف تمارس ضغوطها على دول التحالف، وأنها لن تسمح بتغير جوهري في ميزان القوة، وميدان المعركة، كما أنهم توقعوا مزيداً من التغاضي الأمريكي عن جرائمهم في حق اليمن، ومسيراتهم وصواريخهم التي يطلقونها على المدن السعودية. هذه الحسابات باءت بالفشل؛ فأمريكا تريد أن تضع مشروع إيران في المنطقة تحت وطأة الضغوط القصوى لترغمها على تقديم تنازلات في المفاوضات، وقد نجحت في ذلك إلى حد بعيد.
بمعزل عن الحسابات الأمريكية الإيرانية التي راهن عليها الحوثي، لدى السعودية حساباتها الخاصة بأمنها الوطني، وهي لا تتلقى تعليمات من أحد في هذا الشأن. ولقد حاولت في السنوات الماضية أن تناور سياسياً وعسكرياً لعل الحوثي يحقن دماء اليمنيين ويعيد السلطة إلى الشرعية، وأطلقت مبادرتها للسلام، وأرسلت الرسائل الإيجابية سراً وعلناً، لكن الحوثي لا يفهم الرسائل، ولا يستطيع فك شفرتها، وإنما يرسلها لطهران بانتظار التوجيه، فهو لا يحارب من أجل اليمن، وبهلاك السفير الإيراني فقد الحوثيون الاتصال المباشر مع صانع القرار، ولم تترك لهم قوات التحالف فرصة لالتقاط الأنفاس مما جعلهم في حالة خوف من الداخل اليمني، بالتوازي مع الرعب الذي تشكله هجمات التحالف النوعية على أماكن لم يعهد الحوثيون استهدافها.
يدرك اليمنيون المتحالفون مع الحوثي، والمحاربون في صفوفه أن إيران اليوم عاجزة عن تقديم العون لهم، كما يدركون عزم دول الخليج تحديداً والعرب عموماً على أن الحوثي ليس مكوناً يمنياً يتعرض لعدوان من دول مجاورة، بل هو تنظيم إرهابي في شبكة أجنبية تشمل الحرس الثوري الإيراني، والحشد الشعبي العراقي، وحزبي الله اللبناني والعراقي، ولذلك فلن يجد الحوثيون ملاذاً، إذا استمر المجهود العسكري على هذه الوتيرة، سوى العودة إلى اليمن من خلال الشرعية والحوار السياسي مع مكونات اليمن الواحد.
التصعيد العسكري ضد الحوثيين سيؤدي إلى المزيد من الانقسام داخل قيادات الجماعة، وتخلي حلفائها في الداخل اليمني عنها، وسوف يتسول أنصار الله الحوار قريباً جداً.