صبار عابر العنزي
«الغراب» طائر وفيّ لزوجته شجاع لا يخاف الجوارح، يتشاءم منه الإنسان، رغم ذكائه وقدرته الفائقة على التأقلم مع بيئته، صوته- نعيقه مميز ولونه الأسود الداكن يرمز في بعض المجتمعات إلى السوء ويدعو للتشاؤم، ويقال إن الغراب طائر ظلمه الوجدان الشَّعبي ظلمًا عبقريًّا، عندما عدَّه قرين الموت والخراب، ونذير البيْن والاغتِراب، وخاف صوته وعيْنه، وصورته ولونه، وتعقَّبه في أمثاله وحكاياته، وأساطيره ومعتقداته، فما وقع منه إلاَّ مذمومًا على أي جنب وقع، في حين يلقى احتراماً وتقديراً في بيئات ومجتمعات أخرى...
واختلفت أشكال وأحجام الغراب الموجودة في الطبيعية، لكنه كان وسيظل مصدر ذعر للناس فالغراب من الطيور التي ارتبطت معها أساطير مرعبة وما زالت تنتقل عبر الأزمان، ومهما كان موطنك تستطيع العثور عليه وهو يأكل أي شيء يقع نصب أعينه الفاكهة، واللحوم، والحشرات وربما القمامة، وفي أي منطقة يستطيع أن يبني جماعات ويتكيف على الجو المحيط به، يمتاز بالنظرة الحادة، والذكاء المطلق، والإخلاص الشديد، فإذا فكرت يوماً في إيذائه أو إلحاق الضرر بصغاره فاعلم أن الموت لن يكون بعيداً عنك فالغراب هو طائر الانتقام الأول..
يتميز بهيبة صوته الذي جعل الناس تتشاءم من رؤيته أو سماع نعيقه إضافة إلى لونه الأسود القاتم، ورد البيت في (المستطرَف، ص 50) للأبشيهي هذا البيت:
ومن يكن الغراب له دليلاً
يمر به على جثث الكلاب
والمعنى أن هذا الدليل الذي يرمز إلى الشر والخراب سيسوق من يتبعه إلى جثث الكلاب- يعني إلى الرذائل والشرور، رغم أنه أول من أرشد البشرية لدفن موتاهم..!
والغراب تجذبه الأشياء اللامعة والملونة كثيراً، وليس مستغرباً أن يجد الناس في أعشاش الغربان قطع الصابون الملونة والأشياء المذهبة اللامعة ويعتبر الغراب من الطيور المفيدة صديقة الفلاح، إذ إن الغراب يتغذى على الآفات والحشرات شأنه في ذلك شأن الهدهد وأبو قردان...
ويتميز الغراب بمستوى ذكاء مرتفع نسبياً مقارنة مع غيره من الطيور، جاء ذكر الغراب في القرآن حيث ذكر الغراب في قصة قابيل وهابيل وهو يُعَلِّم أحدهما كيف يواري سوأة أخيه فيدفنه، وقد تكرر اسم الغراب في التعابير والأمثال العربية من ذلك «طار الغراب»: أي شاب رأسه...
وهو يعيش في جماعات وأسراب إلا أن زوج الغربان يعيشان طوال عمرهما برفقة بعضهم البعض (مثل البشر)، وإذا اقترب ذكر غريب من زوجة الغراب فتقوم بضربه حتي يبتعد عنها...
والغربان لا تخاف من الجوارح كالصقور والنسور، بل إنها تقترب من النسر حين يأكل من فريسته وتستقر قليلاً، ثم تبدأ في مطاردته، فتطير الغربان وتنقض عليه طائرة فيضطر إلى خفض رأسه حتي لا يصدمه الغراب بجناحه أو بذيله، وبعد عدة مرات من تلك المناورة يمل النسر ويطير تاركًا الباقي من فريسته فتأكله الغربان...
ويراعي زوج الغربان نسلهما في العش ويجلبان لهم المأكل، وإذا حام بالقرب أحد الصقور تجد الأبوين ينطلقان ويبدآن مطاردة الصقر طيراناً حتى يختفي من المنطقة، ويبتعد الخطر عن نسلهما، وفرخ الغراب يولد أبيض اللون، يكسوه زغب أسود يتحول فيما بعد إلى الريش الأسود الذي يكسوه...
واكتشف بعض الباحثين أن الغراب بإمكانه التعرف على وجوه البشر، ليس ذلك فقط بل يصنفهم إلى بشر جيدين، وبشر سيئين, وتجتمع طيور الغراب حول موتاها، أما الأسباب وراء ذلك فهي مذهلة حقاً، المعروف عن الغربان أنها تتصرف بشكل غريب حول الطيور النافقة من نفس جنسها، لتصيح عليها بصوت عالٍ...
افترض الكثيرون فكرة مفادها أن ذلك جزء من طقوس جنائزية تقوم، لكن الحقيقة ظلت تشكل لغزاً إلى حد كبير فليس لدى العلماء إلا القليل ليستندوا إليه في ذلك، باستثناء الشواهد الشفوية لمثل هذه السلوكيات.