إيمان الدبيّان
نور يمحو الظلام، وهبة لا يجيدها كل الأنام، ومتعة تُنسج عليها الأنغام، وحكمة تُؤتى لمن رزق الإلهام، وفلسفة ينطق بها ذو فكرٍ تجاوز الأقوام، إنها الكتابة الحقيقية الناجعة، الماتعة، شعراً أو نثراً، سطراً أو شطراً.
الكتابة مفتاح لكسر القيود، تكسر قيد الخوف، ربما قيد عدم التفاعل مع المجتمع، هكذا بعض ما أجبت به عندما سُئلت بسؤال مفاجئ عند استضافتي في إحدى حلقات برنامج (مسافة، على قناة الإخبارية السعودية) (هل الكتابة قيد وعبء على الكاتب؟)، سؤال إجابته عميقة كعمق ثقافة ووعي القائمين على الحلقة من معدين ومقدم وكل أفراد البرنامج المتكاتفين، سؤال لا يخلو من عصف ذهني، فكان جوابي بوشاح فلسفي، على بساط ثقافي، بحوار فكر أدبي رومانسي، ولغة جسد نرجسي فيما يخص قلمه الواعي الواقعي.
حتى يكتب الكاتب شاعراً كان أو ناثراً، وإن كان قارئاً نهماً، ومطلعاً واسعاً لا يكفيه ذلك إن لم يعش المواقف العصيبة، والخبرات العديدة، والأحاسيس العميقة، فمنها كلها يُوقِد مقابيس نور الحروف، وصفحات الهدى للدارسين والمثقفين، للمتعلمين والمطلعين، للناقدين والباحثين، فالكلمة التي لا تصل الناس هي مفردات موءودة، وكنوز مجحودة، وذاكرة مفقودة، نجاح الكاتب فيما يسطره لا تنقص عنه أهمية آلية تفاعله مع الناس وتفاعلهم معه؛ لذا تكون براعته في تواضعه مع المجتمع وتعايشه، ويعرف بذكائه كيف ينهل مداد قلمه مما أفرحه أو آلمه وحتماً ما تخيله.
الكتابة عشق كحب الماء الزلال، سحر نفث ساحره به حلال، وطقوس الكتاب طقوس خاصة لا يقدرها ولا يعيها إلا صاحب الروح التي تكره القيد والجدال.
الكتابة روح تحلق بصاحبها في فضاء المتعة والحياة، فيرى الكاتب ما لا يراه العامة، ويبحر في محيطات لا يغوص بها أهل الشك والظنون السامة، الكتابة حرية مختلف صاحبها بها عن كل البرية، يغمس صاحبها فكره بها قبل أن يغمس بالحبر قلمه، فيداوي شيئاً من ألمه، ويخط اسمه على نصه فوق نقوش عَلَمِه، فيكون نصه مُلكا لقراء يتابعونه، ويكون قلمه مَلكِا للآلئ منثورة.. الكتابة للكاتب حياة، وللعامة صفحات، وللمثقفين جواهر ثمينات.
رغم اختلاف أنواع وأغراض ما يُكتب، إلا أن مواضيع الرأي العام التي نتناولها على أديم الصحافة طرحاً وتحليلاً ورأياً وتذكيراً هي أكثر أنواع الكتابة التي يُحتاج فيها إلى تفاعل وتجاوب من يوجه له سواء مقالاً أو قضية، مؤسسة أو مسؤولاً، فرداً أو فريقاً، خصوصاً أن وصولها أصبح سهلاً ويسيراً عبر الطائر الصغير ذي اللب الأثير إلى من يعنيه الموضوع المثير؛ ذلك الطائر الذي أُحمّلَه اليوم على جناحيه همسة عتب إلى كل جهة مسؤولة كَتَبَتْ عنها مواطنة غيورة قبل أن تكون كاتبة مشهورة، فهلّا كان هناك تفاعل ورد من القائمين على قنوات التواصل الإعلامي في وزارة أو دائرة أو شركة أو هيئة وربما شخصية مذكورة؟!