حمّاد بن حامد السالمي
«كتبت هنا مقالًا في 27 ديسمبر 2020م تحت عنوان: (عروبة العلماء)، (https://www.al-jazirah.com/2020/20201227/ar2.htm)
وهذا اسم كتاب للعلامة العراقي الدكتور: (ناجي معروف ت 1397هـ)، الذي تتبع مشاهير العلماء العرب المنسوبين إلى البلدان الأعجمية، فذكر مئاتٍ وآلافًا منهم؛ وهو يرد بذلك على مقولة ابن خلدون الذي قال بأن: (جُلّ علماء المسلمين من العجم)..! وهذا غير صحيح. ناجي معروف؛ تقصى ما أمكنه ذلك في بلدان أعجمية كثيرة، لكن جاء باحث عراقي آخر هو: (يونس الشيخ إبراهيم السامرائي ت 1422هـ)، فصدر له كتاب لا يقل أهمية عن السابق عنوانه: (علماء العرب في شبه القارة الهندية)، وكان المؤلف عضوًا في المجمع العلمي الهندي. صدر الكتاب عام 1986م عن وزارة الأوقاف والشئون الدينية العراقية في 930 صفحة، موزعة على سبعة فصول، مسبوقة بإهداء ومقدمة، ومختتمة بتوضيحات وفهارس.
«السامرائي في كتابه القيم هذا؛ حصر بحثه مكانيًا في القارة الهندية، مما يعرف اليوم بـ (الهند وباكستان وبنجلاديش وأفغانستان)، كما حصره زمانيًا في أعيان القرون الهجرية التالية: (السابع والثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر) ما يقارب سبع مئة عام. وقدم لنا تراجم لـ (746 عالمًا شهيرًا)، ممن لهم شأن في شتى العلوم والمعارف، وتعود أنسابهم إلى قبائل وعشائر وأسر عربية معروفة ومشهورة. أورد لنا من آل البيت 146 عالمًا، ومن آل عمر بن الخطاب 103 علماء، ومن العلويين 81 عالمًا، ومن السادة الحسنيين والحسينيين 102 عالم، ومن الأنصار 58 عالمًا، ومن العمريين 103 علماء، ومن البكريين 72 عالمًا، ومن نسل عثمان بن عفان 41 عالمًا، ومن قريش 38 عالمًا، ومن ثقيف 22 عالمًا.. ثم يتوزع الباقي بين قبائل وعوائل شتى معروفة في بلاد العرب حتى اليوم.
«يقول الباحث في مقدمته: (دخل الإسلام في بلاد الهند منذ الصدر الأول للدعوة الإسلامية في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتوسعت الفتوحات في العهد الأموي بقيادة (محمد بن القاسم الثقفي)، فاستقر في تلك البلاد وغيرها؛ عدد من البيوتات العربية والقبائل العربية لا يزالون إلى هذا اليوم يحتفظون بأنسابهم وانتسابهم إلى القبائل العربية التي نزحوا منها، مثل العراق والجزيرة العربية، ثم هاجر من العراق كثير من الأسر الشريفة والقبائل العربية إلى بلاد الهند، وذلك في فجر القرن السابع الهجري، لتحتمي بظل حكوماتها الإسلامية القوية من الوحوش التترية. ثم أعقبتها هجرة بعد الهجمة الصفوية على العراق..). ويشير الباحث إلى وجود أكثر من خمس مئة عائلة عربية بمدينة (سلهات) وحدها في بنجلادش. كما يشير- وهذا مهم للغاية- إلى أنه تجشم عناء السفر عدة مرات إلى بلاد الهند للبحث والدراسة، وأنه وقف على كتاب: (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر) للعلامة (عبد الحي بن فخر الدين الحسني)، البغدادي الأصل، المطبوع بحيدر آباد الدكن في تسعة أجزاء في تراجم آلاف الرجال.
«إن الكثيرين ممن ترجم لهم الباحث؛ كان لهم شأن في بلدانهم في مناصب الحكم والقضاء والإفتاء والتدريس وغيرها، فكان منهم من قضى زمن البحث ومن ينتظر، والباحث يقول: بأنه صار له صداقات متينة مع كثير من علماء الهند الذين عرض عليهم مسودات كتابه هذا فأقروا بصحة ما جاء فيه. ثم يختم الكتاب بقصيدة عصماء من 36 بيتًا للأديب النسابة الشاعر: (السيد عبدالستار درويش الحسني)، تقريضًا للكتاب يقول منها:
هم العرب إن تسأل عن القوم من همُ
(حديثٌ) علاهم (مسند) ليس يُكتمُ
سل المجد عنهم هل تفيأ ظلالهُ
سواهم.. وهل في مهيع الحق زوحموا..؟
وهل نطقت آثارهم وهي جمّةٌ
بغير جميل الذكر يشدو به الفمُ
بناة حضاراتٍ عدول شهودها
لها يرقم التاريخ بالصدق يحكمُ
أطلوا على الدنيا شموسًا مضيئة
فزال بهم داجٍ من الجهل مظلمُ
وكم نشروا للعدل من راية بها
استظل البرايا حيث ما ثمّ مَظلمُ
وكم عمروا في الشرق والغرب دولة
بهم غيرهم ما كان في الدهر يحلمُ
وأسروا بأوتاد العزائم منهجًا
يسدده (قولٌ) من الله (محكمُ)
«إلى أن يقول في تمامها:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههمُ
(دجى الليل) والكون اكتسى النور منهمُ
وما كان هذا الحكم في القوم ضلةً
ولكنه الحق الصراح المُسلّمُ
وإن شئت تحقيق الصواب فهاك ما
أتانا به سفر (حكى الشمس) قيّمُ
(ليونس) فيه مبحث غبّ مبحثٍ
فليس لذي شك هناك مزْعمُ
(أبا عابد).. جليت في كل حلبة
وخضت غُمار البحث والرأي ملهمُ
فدمت لك العقبى فإنك مثلما
خدمت الغطاريف الكرام ستُخدمُ
«إن كتاب: (عروبة العلماء)، وكتاب: (علماء العرب في شبه القارة الهندية)؛ وما كُتب وظهر من بحوث جادة على غرارهما؛ ليفتح نافذة مضيئة على الحضور العربي في بلدان غير بلدانهم الأصلية على مدى أربعة عشر قرنًا، سواء في الشرق أو الغرب، ويدحض بالحجة الدامغة؛ قولة ابن خلدون؛ من أن: (جُلّ علماء المسلمين من غير العرب)، والتي أخذ بها بعض المؤرخين، وظن أنها نظرية من نظرياته، وفيه رد على مزاعم أعجمية، وخاصة من بلاد فارس؛ ظلت تنسب أسماء كثيرة من الأعلام العرب العلماء؛ إلى أصول غير عربية، فارسية وخلافها، من أجل الانتقاص من العرب، والتقليل من شأنهم، ومواصلة الحرب ضد العنصر العربي متى كان وأين ما كان. وها قد أثبت التاريخ؛ أن شاعرنا العربي (عنترة بن شداد) كان صادقًا يوم قال:
لا يحمل الحِقدَ من تعلو به الرّتبُ
ولا ينال العُلا من طبعه الغضبُ