الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
انتشرت حالات الطلاق في المجتمع، وأضحى التخبيب واحداً من أسبابه الرئيسة، حيث يسعى المخببون إلى إفساد العلاقة بين الزوج وزوجته أو العكس، على الرغم من تحريم الشريعة الإسلامية الإفساد بين الزوجين وإيقاع العداوة والفرقة بينهما، ويرى البعض أن التخبيب يكثر في المجتمعات النسائية حتى أضحت ما يسمى «الخلع» سوقاً رائجة لدى النسوة.
«الجزيرة» التقت مجموعة من المتخصصات في الشأن الاجتماعي والأسري والتربوي، لمعرفة السبل الكفيلة لمعالجة ظاهرة التخبيب في المجتمع النسائي، والحلول التي يمكن أن تسهم في الحد من تزايدها وتفاقمها، وكانت رؤاهم على النحو التالي:
انتشار الظاهرة
تؤكد الأستاذة هدى الأحمدي مدربة ومستشارة أسرية بجمعية بناء للإرشاد الأسري، أن ظاهرة التخبيب بين النساء قد انتشرت بشكل كبير جداً، وبات الأمر واضحاً جلياً خاصة عبر وسائل التواصل أو في التجمعات النسائية؛ فالتخبيب هو الإفساد بين الزوجين سواء كان المفسد من داخل الأسرة أم من خارجها، وقد يكون بقصد أو بدون قصد وكلتا الحالتين ضار ومدمر للأسرة وللحياة الزوجية على حد سواء، وإذا كان لزاماً أن نعالج تلك الظاهرة فيكون بتقديم الوعي الكافي للنساء من خلال الدورات والبرامج التدريبية أو الاستشارات الأسرية، وعمل لقاءات دورية لكافة فئات المجتمع النسائي، مع ذكر مساوئ التخبيب والأحاديث الشريفة التي تحذر من هذا الفعل الشنيع، وفي حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يدخل الجنة خب ولا منان ولا بخيل»، رواه الترمذي، وقوله: «من خبَّب زوجة امرئ أو مملوكة فليس منا»، ولخطورة التخبيب تبرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن يسعى للإفساد بين الزوجين، وتوعده بحرمانه من الجنة، فقال - صلى الله عليه وسلم - : «لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أو عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ «، يعني أفسد زوجة على زوجها بأن يذكر عندها مساوئ زوجها، أو محاسن أجنبي عندها، فهو يعمل على تحسين الطلاق إليها حتى يطلقها فيتزوجها أو يزوجها لغيره أو من باب الغيرة والحسد واتباع الهوى والشيطان، والتخبيب بين الزوجين ظاهرة انتشرت في عصرنا بطريقة أثارت الجدل مما ترتب عليها، ومعناه إفساد علاقة الزوجة بزوجها لتطليقها منه حتى يتزوجها رجل آخر، وأن الزوجة التي تفعل ذلك يثبت عليها حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «أيما امرأة سألت زوجها طلاقًا من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة»، وهنا كان عقابها صريحًا من رسول الله، والشخص الذي يفسد علاقة الزوجة بزوجها قال فيه النبي: «أيما رجل أفسد امرأة على زوجها ليتزوجها فعقده عليها باطل ودخوله بها زنا»، ويكون بذلك أوضح النبي وشرع حكمه على هذين النوعين فهم خسروا آخرتهم ومصيرهم جهنم وبئس المصير، وهذا الأمر جداً خطير وعقابه شديد، لذا لزاماً أن نحرص كل الحرص على عدم الإقدام على مثل تلك الأمور والتي يجهل حكمها الشرعي كثير من النساء، ونوع من الإفساد الواضح في الأرض يجب الحد منه واليقظة له.
من صور التخبيب
وتوضح الأستاذة فاطمة الجهني التربوية أن التخبيب من المشكلات القديمة الحديثة التي تهدم البيوت الطلاق وتحل عرى الزوجية من خلال محاولة إفساد زوج على زوجته أو إفساد زوجة على زوجها، ويقع هذا من أقرب الناس إليهم ربما من الأهل (أب، أم، أخ، أخت)، وقد شدد الإسلام في هذه المسألة فقال - صلى الله عليه وسلم - ليس منا من خبَّب زوجة على زوجها، وقوله: (ملعون من خبَّب امرأة على زوجها)، فحمل المرأة لقب مطلقة بسبب شياطين الأنس الذين هدموا بيتها بدعوى النصح والتوجيه والله شهيد على ما يقولون، مشيرة إلى بعض من صور التخبيب كتصوير عيوب الزوج أو الزوجة وتضخيمها، ومنها البسيطة التي يمكن تجاوزها، وكذلك سوء الظن بالزوجة من قبل الأهل (ما استقبلتنا، ما ضيفتنا، ما أعطتنا وجه، مرت ما سلمت علينا) وغيره كثير فيقع الزوج بين المطرقة والسندان، فهل يرضي الأهل أو يحافظ على بيته وهذا المخبب يكفيه أن يعني (ليس منا) ويعني (ملعون)، ويكثر التخبيب في مجالس اللهو والفراغ فينطق أحدهم بالكلمة لا يلقي لها بالاً فتكبر في رأس الزوج ويزهد في زوجته ويصدق ما يقوله الجهلة والحساد.
وتشدد فاطمة الجهني على توعية الناس والمجتمع لندرك كيف نتعامل مع هذه الفئة التي تزعزع العلاقة الزوجية بسفه وجهل ومن ذلك:
1 - ألا نجعل مشاكلنا حديث المجالس فلا نحكي كل كبيرة وصغيرة ونجعل بيوتنا عارية للآخرين، ونطمع من الناس تقويمها فيكثر اللغط ويصطاد الماكرون في الماء العكر ويؤثرون في أحد الزوجين بالرغبة في الطلاق، وإن كان ولابد فنستشير أهل الحكمة والصلاح.
2 - ليس من البر بالوالدين طلاق الزوجة إذا كانت صالحة فسددوا وقاربوا.
3 - أن نثق أن الذي استشرناه لن ينصحنا بالطلاق أبداً البتة إطلاقاً إذا كان مخلصاً صادقاً إلا إذا استحالت الحياة الزوجية ولأسباب شرعية واضحة كضر جسدي أو نفسي يلحق بها من الزوج أو كان مدمناً - إلخ.
4 - ألا نسمح للآخرين بالتدخل في مشاكلنا وحياتنا الزوجية فليس عيباً أن أقول (عذراً معليش لا تتدخلوا) .
5 - ربما لا يعلم أكثر الناس أن التخبيب جريمة يعاقب عليها الشرع وهي عقوبة تعزيرية يقدرها القاضي بحسبها تبدأ بأخذ تعهد إلى السجن وفيها تفصيل.
وأولاً وأخيراً الدعاء ثم الدعاء ثم الدعاء أن يصلح المولى بيوتنا ويكفينا شر من أراد إفسادها ويسخرنا لبعض فنغض الطرف عن صغائر الأمور من أجل عظمائها، دامت بيوتنا بخير وصلاح وطمأنينة.
الفساد الاجتماعي
وترى الأستاذة عالية بنت عوض الشهري الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، حماية المجتمع بالحفاظ على الأسرة من كل ما يهدد أمنها واجب، وحين كان الطلاق أكبر عوامل هدم الأسرة فقد جرى البحث عن أسباب وقوعه وهي كثيرة، غير أنه ظهر مؤخرا في أعلى القائمة التخبيب كسبب في كثير من حالات الطلاق، وأصبح مشكلة تحتاج إلى العناية بها وإيجاد الحول العاجلة، ولاشك أنه مما ساعد على كثرة حالات التخبيب تنوع وتحديث طرقه وسهولة التواصل الاجتماعي وهو بيئته فما عاد التواصل المباشر والعلاقات المعروفة هي فقط التي قد يقع منها التخبيب وإنما تعددت وسائله، فصارت تأتي عبر جميع قنوات التواصل وبكافة الأشكال وبلسان عذب وقصص مشوقة ودموع متساقطة تفتن المتابعين وتزخرف للحرية والاستقلال والسعادة الموجودة خارج جدار الأسرة، وصادفت متابعين يعانون جهلاً حيناً وقلة وعي بالسم الممزوج بالعسل حيناً آخر؛ فصار إفساد ما بين الزوجين طريقة رائجة لكل من يهدف لإفساد الأسرة ومن ثم المجتمع، وفي ظل حملة الإصلاح العامة ومكافحة الفساد بكل صوره في بلادنا والتي حققت قفزات مباركة نلمس ثمارها، فإننا نطالب بحملة مكافحة الفساد الاجتماعي لخطورته على الأسر وسلامتها واستقرارها ووضع ضوابط لكل ما يبث في قنوات التواصل ومراقبتها، وإيقاع أشد العقوبات لكل من يحاول استخدامها للتغرير بالزوجين أو إفساد أحدهما على الآخر، ونحتاج إلى أنظمة تجعل الطلاق يُسبق بإجراءات معقدة تؤخر كل تهور واندفاع نحوه، كما ندعو إلى حملات مكثفة لتوعية المجتمع بخطر التخبيب في هدم البيوت وأن الطلاق ليس أمراً ممتعاً لنحرص عليه، ونحن لاشك نعترف بأن أهل العلم والعقل والتخصص مقصرون في مواكبة وسائل الوصول للمجتمع، وأن المفسدين يسبقون في ذلك المصلحين بمراحل، غير أن النظام والسلطة هما الحل في وجه كل من يستخدم حساباته لنشر فساده، فهناك تخبيب جماعي يصل للمجتمع كافة ولا يحاسب أحد عليه، لأنه لا يستهدف شخصاً بعينه، التقنية الحديثة سلاح ذو حدين ساهمت في انتشار ظاهرة التخبيب وانساقت كثير من الزوجات خلفها فضاعت البيوت وشردت الأسر، ونحن في حرب حقيقية إن لم نسعَ لمواجهتها وإلا فلن نسلم منها جميعاً، وثقتنا في حكومتنا ومؤسساتنا بأن تضرب بيد من حديد على كل وسيلة تستهدف أمننا الاجتماعي فهو لا يقل أهمية عن بقية الجبهات.
مؤثرات خارجية
وتبين الأستاذة سارة السبيعي الأكاديمية والمستشارة الأسرية أنها قرأت نشرة وزارة العدل للسنة الماضية قبل أيام أن حالات الخلع فقط وصلت إلى 43 ألف حالة خلع، ناهيك عن حالات الطلاق؛ فماذا حدث؟ وما الذي تغير؟ ولماذا تحول الميثاق الغليظ والرباط العظيم إلى ريشة في مهب ريح المؤثرات الخارجية.
نعم.. تساهل الكثير في قدسية الزواج وبدلاً من التواصي بالصبر والحق بدأ التخبيب والتنفير والتأليب سواء على الأزواج أو الزوجات، وخفت صوت العقل وارتفع الاندفاع تجاه شياطين تؤزهم أزاً.
وأقول لمن يفعلون ذلك من خلال هذا المنبر: اتقوا الله ولا تخربوا البيوت العامرة وتشتتوا الأسر الآمنة ولا تفرقوا بين المرء وزوجه فالعقاب عظيم والنتائج وخيمة، وكلمة لمن أرخوا السمع لمخربي البيوت مشتتي الشمل أقول: الله الله في أزواجكم وأبنائكم اثبتوا ولا تجعلوا حياتكم الزوجية مزاداً لشياطين الأنس والجن حينها ستحل الحسرة والندامة حيث لا ينفع الندم.
مواجهة الظروف
وتقول الأستاذة فاطمة بنت عبد الله القحطاني التربوية: هذه القضية الاجتماعية كادت أن تصبح ظاهرة في الآونة الأخيرة؛ نظراً للفهم الخاطئ للحريات والحقوق التي تم منحها لأفراد المجتمع وخاصة النساء، ولذلك توجب على المجتمع الوقوف بشكل حازم للتوعية من خطر فهم الحريات بشكل خاطئ، وأهم سبل مواجهة هذه الظاهرة من وجهة نظري تبدأ بتوعية الأسرة وبخاصة الوالدان عند تنشئة أبنائهما وبناتهما، حيث إن الإفراط في التدليل عند تنشئة الفتاة والصبي وعدم توضيح واجباتهم قبل حقوقهم تجاه الطرف الآخر تخرج للمجتمع زوجاً وزوجة متعنتين وأنانيين ومتغطرسين تستحيل معهما الحياة وكل يمارس ضغوطه على الطرف الآخر الذي قد يقع بسهولة ضحية للتخبيب لكثرة ما يعانيه من ضغوط، وكذلك العكس نجد في بعض العائلات من تجعل الفتاة هي الحلقة الأضعف مقارنة بإخوانها الذكور وتطالبها بأكثر من واجباتها مع هضم الكثير من حقوقها مما يخرج لنا مع الوقت، إما فريسة سهلة للمخببات ومنهم النسويات، أو شخصية ناقمة على المجتمع وبخاصة الذكور منهم فتمارس التخبيب كلما حانت لها الفرصة بسبب ما مرت به من تجارب مرة وظروف قاسية!.
وتشير فاطمة القحطاني إلى أن التربية السوية تخرج للمجتمع شخصيات قوية صلبة وواثقة قادرة على بناء أسرة ومواجهة الظروف التي تمر بها، ولا يسهل على أطراف أخرى التدخل في خصوصياتها ووضع الحلول لها، ولذلك أرى أنه لابد من العودة إلى أساس المجتمع وهو الأسرة وتسخير طاقات المجتمع لتوصيل هذه الفكرة بعمقها للآباء والأمهات عند تنشئة أبنائهم، إما بعقد دورات تدريبية أو إضافة مناهج معينة تعنى بضرورة تعليم النشء واجباتهم وحقوقهم على أساس ديني، وكذلك ما اتفق عليه من العرف المجتمعي، أما بالنسبة لحالات التخبيب القائمة حالياً؛ فأعتقد أن وضع جهات مختصة وعلى مستوى علمي ومعرفي وتوظيفها لعقد دورات إجبارية تلزم الأطراف المتنازعة بحضورها قبل النطق بالحكم في بعض حالات الطلاق أو الخلع على حسب تقدير القضاة، ما قد يساهم في حل مثل هذه القضايا وخاصة أن في ديننا الحنيف ما يندب لمثل ذلك في قولة تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أهلهِ وَحَكَمًا مِّنْ أهلهَا (35) سورة النساء.
التحريش الظاهر
وتؤكد الأستاذة حنان بنت عبد القادر الهوساوي نائبة مدير الإدارات بجمعية الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالجبيل، أن انتشار التخبيب أدى إلى انتشار الطلاق وهذا يرجع إلى الجهل والبعد عن شرع الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أهلهِ وَحَكَمًا مِّنْ أهلهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا.
والتخبيب هو إفساد أحد الزوجين على الآخر أو صديقين أو قريبين، وإنه ليس كل ناصح أمين، مشيرة إلى بعض من صور التخبيب على الزوجين، ومنها:
ما يكون تحريشاً ظاهراً مباشرا؛ بأن يذكر أخطاء من يريد إسقاطه تصريحاً وتحريضاً وسبباً، وإلباس التخبيب ثوبَ النصيحة، وتظاهُرِ المخبِّبِ الشفقة على من يريد تخبيبه، وهو باب يتسلل منه إلى قلب من يريده، وإظهار مساوئ أحد الزوجين، مع إظهار صور الرجال والنساء في أفضل صورة بحيث يبحث الرجال والنساء على السواء إلى الكمال، ومتابعة المسلسلات والاستسلام لما فيها من فضائح، حيث يتم عرض بعض المشاكل غير الموجودة وتضخيمها وإعطائها غير حقها، والتباهي بالموجودات والكماليات والتي تدفع البعض على المغايرة والمجاراة، وكذلك التخبيب الخفي الذي يظهر بصورة إيجابية في الظاهر وسم دفين من مبالغة في الرومانسيات والحب والتدليل بين الزوجين أو عرض الهدايا والكلمات في السناب والواتس والاستقرام.