د. محمد بن صقر
الفشل مفهوم ممارس على جميع المستويات ابتداءً من الشخص نفسه، مروراً بالمجتمع، عبر محطات المؤسسات والشركات والمنظمات والدول أيضاً، فكما أن هناك دولاً ناجحة في ممارستها وقصص نجاحها كسنغافورة ومهندس نجاحها (لي كوان يو)، فهناك أيضاً دول فاشلة كما يسميها الكاتب الأمريكي نعومي تشومسكي في كتابة الدولة الفاشلة، ومحاولته قراءة المشهد الأمريكي من زوايا أخرى للفشل, على أن الفشل في حد ذاته ليس قضية لأنه يعتبر مرحلة من مراحل الانتقال إلى النجاح، وكبوة من كبوات جواد يعرف أين يتجه ويعرف طريق الانتصار، لكن القضية عندما يصبح الفشل هدفاً واتجاهاً لكثير من الأشخاص والمؤسسات وطريقاً سهلاً محبباً لهم لأنه غير محفوف بالمخاطر والتضحيات التي توصل إلى النجاح، والتي من الممكن أن يضحي الفاشلون من أجلها على الرغم من امتلاك أدوات النجاح وممكنات الانتقال إلى النجاح العظيم, إن مسألة الفشل تعتبر أحد أبرز التحديات أمام البشرية، ولكن فكما للنجاح من مهندسين ولهم صفات وإنجازات يشهد التاريخ لها فإن للفشل مهندسين وعاشقين لهذا الفشل، ولهم أنماط وصفات ملازمة لهم، أبرزها:
أولاً: التبرير، فمهندس الفشل يبرر أخطاءه وتصرفاته ويجعلها وكأنها أتت كردة فعل أو بسبب شخص أو قضية، ويستحيل أن يتحمل المسؤولية أو يعترف بالخطأ.
ثانياً: «يضع العراقيل ويضخم الأمور أمام كل مشروع أو خطوات ناجحة قد تحل القضية أو يكون لها حل جذري لقضية قائمة، فعلى سبيل المثال عندما نرى قضايا تأخذ وقتاً طويلاً ومفاوضات فاشلة، كنتيجة لذلك نجد أن حاملي هذه الملفات هم مهندسون للفشل أو كما قال سفير المملكة في الولايات المتحدة سابقاً صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان آل سعود إن قضية فلسطين عادلة، ولكن المحامين فاشلون.
ثالثاً: الهجوم على الغير في محاولة لصرف النظر عن الإخفاقات المتتالية والمتعمدة والهروب إلى الإمام لتشتيت الانتباه عمّا هو مهم وما هو جدير بالنقاش والحل.
رابعاً: هم أعداء التغيير لأنهم يعتبرون أن التغيير سبب الزوال والانتهاء، ويفقدهم قيمتهم، فهم غير مدركين أن المجتمعات لا بد أن تتغير، ولكن نوع التغير قد يكون بيد مهندسين للنجاح أو مهندسين للفشل.
خامساً: التكيف مع الوضع الراهن، واعتقادهم أن الحل الحالي هو الحل الأمثل، ويرغبون بتوقف قطار الابتكار عن السير حتى لا يتم الكشف عن فشلهم وإخفاقاتهم.
سادساً: يركزون على الأمور الصغيرة، ويتوقفون كثيراً عندها ويحاولون أن يجعلوا منها قضية لا بد من حلها، على الرغم من أنها تعتبر من أمور الصغائر.
إن مهندسي الفشل هم أشخاص يعيشون بيننا ويحملون فيروس التكاسل والتخاذل والانهزامية، ويسعون لنشرها، ويصبحون سعداء عندما يكون هناك فشل وخيبات أمل يقتاتون على الترويج لأنفسهم وإخفاء عيوبهم وهفواتها خلف كرسي المسؤولية التي يحتمون بها، فقراراتهم وخططهم نابعة من كونهم مسؤولين وليس من كونهم مهندسين للنجاح، فمهندسو الفشل لا يستهدفون بناء مجتمعات وأجيال ابتكارية، وإنما يسعون إلى صناعة الفشل والإحباطات وتكريس التخاذل والهروب من المسؤولية والتبرير لواقعهم بأدوات مختلفة للحفاظ على مصالحهم.