عبد العزيز الصقعبي
إلى:..
قد لا تصدق أنني كنت منبهراً بحكاياتك التي ملكت فيها مجلساً يعج بمجموعة من الرجال، كنتُ برفقه والدي وأجلس بعيداً عنك، وعن الجميع، بالقرب من الباب، وقتها لم أعرف أن هنالك حكواتي يمتلك موهبة الإلقاء، مهنته الجلوس أمام مجموعة من مرتادي المقهى، ليحكي عن سيرة بني هلال، هذا ما عرفته لاحقاً، ولكن أنت مختلف، المكان ليس مقهى ولكن مجلس رجال لأحد الوجهاء، لك خيال خصب، خيال جعلني أخاف بل أصاب بالرعب وأنت تتحدث عن قصص الجن، والممسوسين، أنا كنت وقتها أتابع برامج الرسوم المتحركة قبل صلاة المغرب التي يبثها التلفزيون بالأبيض والأسود، ولكن أنت كنت تتحدث عن أشخاص ربما يعرفهم البعض، وربما لا يزال بعضهم على قيد الحياة، لم يرسمهم أحد ويجعلهم يتحركون، بل أنت تتحدث وتصفهم بدقة، أحاول أن احتفظ بذاكرتي شيئاً مما قلته، ولكن لا أقدر، ليست مثل قصص جداتنا، ربما لم أتمكن من سماع قصص جدتي، ولكن هنالك من قام مقامها، قريبة لنا جمعتنا قبل أن ننام في سطح منزل وأدخلتنا في عالم الخيال، حكايات قرأت بعضها فيما بعد في أساطير شعبية من قلب الجزيرة العربية، للرائد عبد الكريم الجهيمان، ولكن حكاياتك مختلفة، مختلفة تماماً عن تلك الأساطير، فيها كثير من الواقعية، بل أحياناً تنهيها بأمثال تجعل الجميع يضحك مثل قولك « دق فليفلة يا كمون»، حفظت تلك المقولة أو ذلك المثل وكنت أفكر أن أسأل عن معناه، وحقيقة هذا الذي ثقته منك من كل الكلام الذي قلته والذي لو قررت أن أكتبه ربما تجاوز عدد صفحاته الألف، لأنك تحدثت كثيراً، ولم يتوقف الأمر على الحكايات بل كنت تحفظ الكثير من القصائد، لست تماماً راوية، لأن هنالك رواة أعرفهم، بعضهم أصدقاء لوالدي، لكنك أنت مختلف، تمتلك خيالاً مرعباً، وجريئاً.
أنت كنت تجلس ليس في صدر المجلس، بل قريباً من ذلك لكي يسمعك الجميع، ربما هذه مهنتك، تنتقل بين مجالس الوجهاء ثم تبدأ بسرد الحكايات.
قبل أن أبدأ بالكتابة كنت أتحدث عنك مع أحد الزملاء، وقال ألا تشبه ما هو معروف ب»ستاند أب كوميدي» وأعرف أن ترجمتها الحرفية «كوميديا الوقوف» وهم فعلا يقفون على خشبة مسرح ويطلقون مجموعة من النكات ويسخرون من أنفسهم ومن البعض، ومهمتهم هي اضحاك الجمهور الذي يجلس أمامهم، والذي دفع مبلغاً من المال غالباً لأجل ذلك، قلت للزميل: لا هنالك فرق كبير، وأظلمك إذا قارنتك بأولئك المهرجين، أنت تمتلك مخيلة مريعة، ليس همك الضحك والسخرية بل الامتاع بالحكايات، وأنت لك قيمتك، تجلس، ولا تتحدث إلا حين يؤذن لك، وتجمع بين الحكمة والحكاية، والخيال، الخيال الذي ربما يتجاوز أحمد خالد توفيق، ولكن هو يختلف عنك بأن حكاياته حاضرة بصورة أكبر بعد موته، مطبوعة ومنفذ بعضها سينمائياً وتلفزيونياً وإذاعياً، ولكن ربما وجدت أنت في الزمن الخطأ، ورضيت أن يهب خيالك لفئة محدودة من الناس، كان والدي وكل من كان في ذلك المجلس يستمتعون بسماع حكاياتك، ويحرصون على مناقشة فوئد بعض الحكايات والحكمة منها، أنا أثق أنك لست الوحيد الذي يمتلك هذا الخيال، و القدرة على إلقاء القصص والحكايات، حتماً هنالك تلاميذ لك تأثروا بطريقة إلقائك وسردك للحكايات، وبكل تأكيد هذه الموهبة جعلت لهم حظوة لدى كثير من الوجهاء، وجعلت مجالسهم ملتقى من يحب سماع الحكايات أو بمعنى بسيط « من يحب الوناسه» ربما في سنوات الآباء والأجداد عددكم كبير، ثم بدأ يتناقص، ولكن في هذا الزمن رأيت أكثر من واحد يشبهك، لا تستغرب، أولا ليس هنالك مجالس رجال، رجل يتحدث والبقية يستمعون، بل رجل يتحدث أمام هاتف محمول يلتقط صورته وصوته، ويبثها على نطاق واسع، ليسوا فقط رجال بل رجال ونساء، كل واحد لديه حكاية يرغب أن يسمعها الجميع، صدقني من النادر أن أستمتع بحكاياتهم، ربما كنت أستمتع بمشاهدة الرسوم المتحركة في زمنك، هل حكواتيه التقنية الحديثة امتداد لك أم للرسوم المتحركة؟.