ذات يوم كنت أستمع لبودكاست الطريق إلى الطريق للمخرج بدر الحمود، وكانت هناك جملة يرددها في حديثه وهي: أحياناًً أشعر أن أكبر مسؤولية علينا هي تشكيل الذكريات الجيدة لأنفسنا ولكل مَن هم حولنا..
كنت واعية بعمق فكرته دون أن أشعر بها، مرَّ أسبوع في حياتي كان يحمل كل دروس الحياة دفعة واحدة جعلتني أعيد عبارة بدر الحمود مرارًا وتكرارًا في نفسي.
بدأت أسبوعي بتذمر من وحدتي وشعوري بالخيبة والفشل في مسارات مختلفة من حياتي.. أتكئ على مكتبي ليلاً لأكتب لنفسي رسائل مواساة بأن الأمل موجود وأن الحياة لم تنتهِ وأن الوحدة ليست سيئة.. لأصحو في اليوم التالي وأكتشف بأن الأمل هو مخدر مؤقت والحياة لم تنتهِ لأنها لم تبدأ بعد! وأن الوحدة كانت تغطي عيناي عن من أحبوني ولم أكن معهم..
انغمست في تلك الحياة الافتراضية على شبكات الإنترنت وانشغلت في عملي لنسيان أي شعور بالألم ونسيت أنه يوجد أشخاص هم أحوج لنا من غيرنا،
جدي عيسى كان من أشد الأشخاص الذين كانوا بحاجة لوجودي، كنت طوال حياتي قريبة منه ويفرح بقدومي للسلام عليه والجلوس معه..كان عندما يسمع اسمي في مجلس ما يقول هذه الشيخة سديم.. حين يدخل علينا المنزل يسلم بطريقته الشهيرة: «السلااااام عليكم ورحمة الله وبركاته إن كان عندك شيء فهاته»، وإذا وبخ ابني دون قصد يعود إليَّ ليقول: «عسى ما أخذتي بخاطرك يابنتي»..
سألته عن الحب فقلت له ماذا تعرف عنه؟ قالي لي الحب زادُ يأكلُ.. الحب الذي تتلقينه من والدتك من أختك الحب الحقيقي الذي تحصلين عليه ممن حولك هو زاد الروح احرصي أن تغذي روحك..
مرض جدي خلال الستة الأشهر الماضية ولظروف العمل لم أستطع السفر لزيارته.. في كل مرة يتأجل السفر وأمني نفسي بأنه لا يزال لدي متسع من الوقت لزيارته.. حتى أتى صباح السابع من ديسمبر.. رن هاتفي الساعة السادسة صباحاً أخبرتني جدتي بأن جدي مريض وأنه يود رؤيتي، أخبرتها بأنني سوف آتي، ولظروف المواصلات تأخرت حتى الظهر.. ولأن جدي يسكن في منطقة أخرى كنت أسابق الزمن في الوصول إليه وكنت أشعر بأنني لن أراه مرة أخرى.. وصلت أخيراً وأخذت أبحث عن موقع المشفى الذي يرقد فيه جدي، اتصل عليَّ خالي وأخبرني بأن أتجه إلى المنزل.. وأكمل قائلاً: «جدك انتقل إلى رحمة الله».
تسمرت في مكاني وسمعت دقات قلبي في أذني وكأني لا أسمع سواه في هذا العالم ،، رحل جدي ولم أستطع توديعه وتقبيل جبينه!
لم يبرح تأنيب الضمير وجلد الذات يلاحقانني في كل دقيقة بعد وفاته.. كنت أعلم مقدار حبه لي ومع ذلك انجرفت مع الدنيا وأجلت لقاءه، ضمنت حب الآخرين لي فانشغلت بمحاولة حب أشخاص لم يسعوا لمحبتي..
العزاء كان يكتظ بتلك النظرات التي تتجه نحوي وتقول: أين أنت؟ لطالما أحببناك ولم تكوني حولنا.. تلك النظرات كانت كافيه لتغيير نظرتي للحياة وأصبحت أبحث عن من أحبوني بصدق لأعيد معهم تشكيل الذكريات.. قررت أن أخبرهم بمقدار حبي لهم وأني سأكون معهم دائماً وإنني لن أضيع أي فرصة للقاء بهم ليوم آخر، أقسمت أنني سأطبق وصية جدي - رحمه الله - وأبحث عن زاد روحي بالحب والألفة.
حياة العمل وتلك الحياه الافتراضية على شبكات الإنترنت لن تقدم لك الحب الحقيقي والغذاء الروحي الذي سيساعدك على مواصلة رحلة الحياة، بل كلما انغمست فيها تشوشت أفكارك وفقدت نفسك.. استمد طاقتك من محبة الآخرين لك واصنع معهم لوحات جميلة تعلقها على حائط حياتك.
** **
- سديم العمري