حسن اليمني
أمام النظام السوري خيار من اثنين لا ثالث لهما، إما مع روسيا وإما مع إيران، هذه هي الترجمة الحقيقية لما آلت إليه سياسة قتل الشعب من أجل الكرسي.
صباح يوم 19-12-2021 وما بين الساعة الواحدة وإحدى وخمسين دقيقة صباحاً إلى الواحدة وتسع وخمسين دقيقة تم تدمير مستودعات أسلحة إيرانية في مطار دمشق الدولي، لم يكن هذا أول تدمير لمخازن سلاح إيراني فقد سبقه تدمير في شواطئ اللاذقية ومن قبله في القاعدة الروسية في حميميم ذاتها، وبالتأكيد كل عملية تدمير كانت معروفة لدى الروس مسبقاً كحال الأخيرة التي جرت على مطار دمشق والذي تلقت فيه المخابرات العسكرية الروسية المعلومة قبل حدوثها بثلاث ساعات وبالضبط في الساعة العاشرة مساءً.
بحسب الاتفاق بين بوتين وبينيت فإن روسيا تضمن سلامة الحدود مع الكيان الصهيوني في الجولان مقابل ضرب الأهداف الإيرانية في سوريا، والغاية وضع بشار الأسد أمام خيارين لا ثالث لهما، إن أرادت التخلص من الإهانات الإسرائيلية التي تعريك وتظهرك بصورة الذي يتلقى الصفعات بشكل يومي فعليك أن تتخلى عن الوجود الإيراني وتكتفي بالبقاء تحت الحكم الروسي بالصورة ذاتها كي تستمر أداة تستخدم لتشريع الاحتلال الروسي ليس أكثر، بمعنى أنه وفي كلا الحالتين يبقى النظام السوري ليس أكثر من أداة تشريع لاحتلال إما روسي أو إيراني.
روسيا تريد حكم سوريا منفردة دون الشراكة الإيرانية وإدخال الصين لإعادة الإعمار، والولايات المتحدة الأمريكية ترى أن دخول الصين من النافذة الاقتصادية سيمد خط النفوذ الصيني من إيران وعبر العراق ليصل سوريا وحدود الكيان الصهيوني، ما يشكل خطرًا في أن يكون ابتلاع إسرائيل ذاتها هي الخطوة القادمة، وفي الوقت نفسه بقاء الوجود الإيراني العسكري في سوريا هو أيضًا يشكل خطرًا على الكيان الصهيوني لكن من النوع المعتاد والذي يُستفاد منه في الغالب، وحتى في الخروج الإيراني من سوريا فإنها ستعود مرة أخرى مع الصين عبر البوابة الاقتصادية وإعادة الإعمار، وفي هذا التعقيد يبدو الخطر الصيني بحسب وجهة النظر الأمريكية قادم لا محالة، وهو مرفوض أمريكياً لخطورته على الكيان باعتباره قاعدة عسكرية أمريكية متقدمة في حين يرى الكيان الصهيوني أن إبعاد الخطر الإيراني عن حدوده المزعومة له الأولوية على الوجود الصيني الذي يسعى الكيان للتعاون معه والتحالف معه أكثر وأكثر باعتباره القوة العالمية القادمة، فهي تسرّب للصين التقنيات الأمريكية، وهناك نقل لرؤوس الأموال باتجاه الصين وهذا يكشف عن مسافة تباعد بين الكيان وأمريكا أملاه أو أسسه اعتقاد إسرائيل أنها فعلاً دولة في حين لا تراها أمريكا وحتى الصين إلا قاعدة أمريكية متقدمة ليس أكثر.
رؤية الصين لقضية فلسطين مختلفة تمامًا عن الرؤية الأمريكية وتتحد رؤيتهما بالنسبة لما يسمى إسرائيل باعتبارها قاعدة عسكرية أمريكية، وتدرك إسرائيل ذلك لكنها تعتقد أن الدين الإبراهيمي الاقتصادي قادر على التمازج مع الدين الكنفوشيوسي الصيني والذي تجمع الدراسات البحثية الإستراتيجية سواء في أمريكا أو إسرائيل أو غيرهما بأن قارة آسيا ستتحول إلى النفوذ الصيني الخالص عمّا قريب، وربما تعتقد إسرائيل أن انضمامها له هو السبيل الأقرب لبقائها من خلال الانضواء في العالم الصيني الاقتصادي الجديد وإلا فإنها ستزول وتظهر دولة فلسطين إن بقيت قاعدة عسكرية أمريكية نظراً لطبيعة التنافس الأمريكي الصيني.
العالم العربي الذي اعتاد الغياب عن خطوات البناء الإستراتيجي لإعادة رسم المنطقة ما زال يترقب اتجاه الأمور ليسير كما يُراد له دون فعل أو تأثير رغم قدرته لو أراد، فهو من جهة يرى أن إعادة سوريا للحضن العربي من خلال إعادة تأهيل نظامه رغم أنف شعبه هو الأصح، ومن جهة أخرى أن إعادة سوريا للحضن العربي تتم من خلال إعادة الشعب السوري وليس نظامه، وبين هذه الجهتين المتعارضتين في النظام العربي يتشرد الشعب السوري ويتم احتلال الأرض العربية السورية، وسوريا اليوم في حقيقة الأمر عبارة عن فريسة بين الثعالب الروسية الإسرائيلية الأمريكية الإيرانية، في حين تتهيأ فرص عظيمة للعرب يمكن بها ومن خلالها دخول الميدان واللعب والتأثير القوي في تخليص سوريا من هذه الوحوش المفترسة وإعادة رسم خارطة المنطقة لو اتحدت رؤيتهم ولو بالحد الأدنى ولكن...
** **
- الرياض