د. عبدالحق عزوزي
تعتبر مسألة الهجرة في جميع الدول الغربية واحدة من أهم المواضيع التي تصرف عليها الملايين وتبلور لها المئات من السياسات العمومية، وتعد أيضا واحدة من المسائل التي تستغلها الأحزاب سياسيا وتوظفها وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة بطريقة غير معهودة في تاريخ البشرية، وفي بعض الأحيان تعتبر الباروميتر لمعرفة مدى انفتاح مجتمع سياسي من عدم...
ويعيش عدد كبير من الناس في بلد آخر غير البلد الذي ولدوا فيه. بينما يهاجر العديد من الأفراد بصورة طوعية، ويهاجر كثيرون آخرون سرا بدافع الضرورة بحثا عن عيش افضل أو هروبا من ويلات الحروب والفتن ما ظهر منها وما بطن... ورغم التداعيات المتتالية لجائحة فيروس كورونا على حركة التنقل الدولي، فإن معدلات الهجرة الدولية ارتفعت السنة الماضية ليصل عدد المهاجرين حول العالم إلى 281 مليون شخص. وأكثر من ذلك، فإن منظمة الهجرة الدولية أقرت أنه لولا جائحة كورونا التي جعلت من تنقل الناس بين الحدود أمرا صعبا، لكان العدد اكثر من ذلك ولسُجل مليونا مهاجر إضافيين السنة الماضية.
و281 مليوناً من المهاجرين، تمثل 3,6 بالمائة من عدد سكان العالم. ويقارن العدد بـ272 مليون مهاجر على مستوى العالم في 2019، كانوا يمثلون 3,5 بالمائة من سكان العالم؛ ويفوق العدد أرقام 1970 عندما أُحصي 84 مليون مهاجر دولي كانوا يمثلون 2,3 في المائة من سكان العالم... بمعنى أننا نشاهد مفارقات لم نر مثيلا لها في تاريخ البشر.
كما أن هناك حقائق مؤلمة وأرقاما مرعبة قدمتها تقارير الأمم المتحدة الأخيرة بخصوص حركة المهاجرين السريين واللاجئين عبر البحر الأبيض المتوسط. وتشير هذه الأرقام إلى ارتفاع مأساوي في عدد الوفيات فاق 130 بالمائة مقارنة بالسنوات الماضية، فأضحت المياه المتوسطية مقبرة للمهاجرين القادمين من إفريقيا والدول العربية والشرق الأوسط؛ وفي الوقت نفسه، زاد عدد الأشخاص الذين حاولوا العبور بحراً من شمال إفريقيا إلى أوروبا في ستة أشهر الأولى من هذا العام بنسبة 58 بالمائة، ليصل إلى قرابة 76 ألف شخص.
كما أن المهاجرين الذين يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط عبر بلدان مثل ليبيا، فإنهم يتعرضون لأساليب متنوعة من العنف كالاختطاف والتعذيب والابتزاز... والمحاولات الأوروبية للقضاء على الهجرة من خلال تعزيز الحدود الوطنية وتعزيز مراكز الاحتجاز خارج حدودها تدفع راغبي الهجرة السرية إلى أيدي المهربين ليجدوا انفسهم في قوارب تقودهم عبر البحر الأبيض المتوسط.
ولابد من الإشارة هنا، إلى أنه ليست كل السياسات العمومية المتعلقة بالهجرة خاصة في أوروبا هي على الجانب الصحيح من التاريخ، بما فيها الألمانية منها، فالسائد منها هو نوع من الانغلاق ورفض الآخر، ونرى ذلك في آليات التشدد في مراقبة الحدود وبطرق جد مكلفة بذريعة محاربة الإرهاب، والسياسات الأمنية مع إشراك دول جنوب المتوسط في حماية الحدود عن بعد (سياسة تصريف الحدود)، مما يولد آلاف الموتى على مشارف أوروبا، ومعاقل الاحتجاز في بلدان العبور، كما هو الشأن بالنسبة لبلدان المغرب العربي، حيث يوجد المهاجرون غير الشرعيين بين المطرقة والسندان دون أن يتمكنوا من الذهاب بعيداً. وغالباً ما يظل المهاجرون غير الشرعيين في أوروبا محرومين لسنوات من حقوقهم (باستثناء حصولهم على العلاجات المستعجلة وتمدرس أبنائهم)، كما يعملون في الخفاء في مجالات تطبق غالبا أشكال جديدة لتكريس العبودية وتجارة الرقيق. وما يزال التمازج الاجتماعي بعيد المنال؛ وكثيرة هي الدول الأوروبية التي تخشى شبح الضواحي، على غرار فرنسا، حيث تغلغل الفقر وحيث يولد الانغلاق في مجالات الإقصاء هوية التمرد والانطواء.
وفي إطار ما يعانيه المهاجرون في الضفة الشمالية من المتوسط، وفي إطار أنسنة الهجرة، هناك ثلاثة حلول يمكن تبنيها، أولا: ضرورة عدم جعل المهاجرين رهائن لسياسات أمنية وسياسات لمحاربة الإسلاموية تم تبنيها في حوض المتوسط، وعدم الخلط بين الهجرة والإرهاب والمخدرات والجريمة، وذلك بفضل دمقرطة التنقل عبر الحدود لأكبر عدد ممكن؛ كما تستدعي هذه السياسة إصلاح سياسة التأشيرات لأن التشديد فيها يخلق مظاهر الاحتيال عليها والمتاجرة بالوثائق المزورة. وترصد أموال طائلة لمحاربة الدخول السري لدول البحر الأبيض المتوسط، كان بالإمكان رصد جزء كبير منها لإدماج المهاجرين في سوق الشغل توفر لهم عملا دائما ودخلا قارا وإعانة لهم ولأفراد عائلاتهم في دول المنشأ.