زكية إبراهيم الحجي
الكلمة في حروفها تحمل الحياة وتجسد الفكر والتاريخ..وتحمل عصارة العقل البشري من جيلٍ إلى جيل.. قيمة الكلمة تتمثل في عطائها الفكري وفي تجسيدها للمعنى الذي يراد التعبير عنه بها لذلك لا بد من التنبه إلى خطورة الكلمة عندما تتحول إلى مصطلحٍ يُرادُ منه معنى آخر ربما يؤدي إلى تحويلها إلى سلاح يغزو العقول.. فكثيراً ما شَّوهت بعض المصطلحات حقائق التاريخ وحرفت بعض المفاهيم وأثرت في رؤى الشعوب حول قضايا معينة نتيجة تغير مدلولها لتحمل مدلولاً آخر لا يتسم بطابع مباشر وبعيدة كل البعد عن المعنى الحقيقي لها.
إن نظرة سريعة وواعية من حولنا تبين لنا كيف أن كثيراً من أفراد المجتمع ولاسيما بعضاً من النخب المثقفة وآخرين ممن يحملون أعلى الدرجات العلمية أصبحوا أسرى لفلسفة المصطلحات الغربية وخاصة السياسية منها ويرون في ذلك مدعاة للفخر والمباهاة..وأنهم بذلك قد خلقوا لأنفسهم ملكة إبداعية حتى ولو كانت دلالاتها في بعض السياقات خارج إطار المعنى اللفظي لذا فأكبر تأثير يطول لغتنا العربية التي تُعدُّ اللسان الثقافي لهوية المجتمع العربي الثقافية يتمثل في تغيير المفاهيم باستخدام مصطلحات لا تمت للغة العربية بأي صلة ويتم تداولها بين أفراد المجتمع دون وعي.. ومن أكثر الأمور غرابة عندما يتم استخدام المصطلح الواحد ليطبق على ثقافات متباينة تختلف مضامينها باختلاف المرجعية الفكرية ما يجعل مضامين حواراتنا خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي أشبه ما تكون بحوارات (الصم)كل شخص يستخدم ذات المصطلح لكنه يعني مفهوماً مغايراً للشخص الآخر.
الحديث عن غزو المصطلحات الغربية للغتنا وثقافتنا العربية وتزييف العقول بها وعلى الأخص عقول الشباب دون وعي وإدراك ودون إيجاد البديل المرادف باللغة العربية هو حديث طويل وشائك والأعمق أن البعض يتصرف إزاء البيئة الخارجية لأي مصطلح كما يدركها هو لا كما يعنيه ذلك المصطلح من معنى حقيقي.. وثمة أمر جدير بأن نُعرِج عليه نظراً لعلاقته بالموضوع.. فما يلفت الأنظار في شوارعنا انتشار الأسماء الأجنبية على المحال التجارية ومحلات التصوير والمقاهي وغيرها وهذا مظهر من مظاهر الغزو الثقافي.. والسؤال الذي يتكرر دوماً في كل محفل ثقافي يُقام.. أليست اللغة العربية تمتلك من الخصائص والمفردات اللغوية المتناغمة ما يعطيها قدرة التعبير عن الذاتية الثقافية العربية ويجعلها لغة علم وتكنولوجيا.. ما يؤسف له حقاً أن الكثير من أبناء العصر الحديث يجهل أهمية لغتنا العربية وبأنها سياج نتحصن به لحماية الذات والفكر من أي هزيمة ثقافية.. أختم ببيتي شعرٍ جزلي البيان من قصيدة صاغها أحد الشعراء يعبر فيها عن جمال لغة الضاد حيث يقول:
كم أزهرَ الشعرُ ضاداً غيرَ ذابلةٍ
وأسهرَ الليلَ شدوٌ بالندى اغتسلا
قلائد من جمانٍ لا تشيخُ ومن
كواكب نيِراتٍ نورُها اكتملا