حين أشرع في كتابة مقال ما عن أي موضوع من الموضـــوعات، استشعر روح الموضوع وجوانبه فيفيض قلمي وعقلي بما يملكانه من معرفة عن هذا الموضوع، ومن ثم أعود إلى الأدبيات المرتبطة به، أبحث فيها مؤصلا معرفتي أو مكتسبا معرفة جديدة تكمل عقد المقال وتخدمه وتختمه بما يحقق هدفه، إلا الكتابة عن سمو سيدي ولي العهد حفظه الله؛ فهي شاقة جدا ووقعها شديد على كل من يريد الشروع فيها، فلا حدود زمانية تحدك، ولا معرفية تدلك، ولا جغرافية توقفك، فالكتابة عن الأمير محمد تخرج الكاتب من كل القواعد والأطر الزمانية والمكانية المتعارف عليها، ليحلق في فضاء اللا مكان واللا زمان، واللا موضوع.
كنت أطالع الصحف قبل أيام قلائل لأجدها جميعها المحلي منها والعالمي، خاصة الناطقة بالعربية، تتناول لقاء صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال بن عبد العزيز أمير منطقة عسير مع المذيع اللامع عبدالله المديفر، عن تكليفه من قبل سمو ولي العهد بناء على توصية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله للعمل نائبا لأمير منطقة عسير، وأيضا تكليفات سمو ولي العهد له، حيث قال سموه: جاءني توجيه بالتوجه إلى القصر الملكي، في 25 فبراير 2018، الساعة العاشرة مساء، ولم تكن عندي خلفية في الموضوع. توجهت فورا، ولم يكن لدي شيء في بالي. كل الأمور كانت مطروحة. توجهت وسلمت على سمو الأمير محمد بن سلمان، طريقة استقباله كانت استقبال المقدام، وعرفت من طريقة استقباله إن هناك شيئاً مهماً، وقعدت قباله واطّمأن على صحة الوالد، ودخل في الموضوع على طول كعادته».
ونقل تركي بن طلال عن ولي العهد قوله: «الملك أمر أنك تكون نائب أمير منطقة عسير (متوجها إلى الأمير تركي)، وأمر أن المنطقة تصبح في مصاف المناطق المتقدمة، وسيتم إنشاء هيئة تطوير عسير وستطور صلاحيات الهيئات وسيتم إنشاء لجان تنفيذية في كل هيئة، وسينشأ مكتب لدعم كل الهيئات. تكليف واضح وهدف محدد من قمة هرم القيادة الملك سلمان، ينقله سمو ولي العهد مباشرة ليتشعر عظم المسؤولية.
ثم تأتي التفاصيل التي يبحث عنها أي مسؤول قبل تولي مسؤوليته، ليختصر ابن سلمان على ابن طلال المسافة، ويضعه فورا في حالة من الشغف بها، وينقل له حماس القيادة، ويقول ابن طلال عن ذلك:
فعن دوره في هذه المهمة، أوضح الأمير تركي قائلا: «إني أكون نائب أمير المنطقة ورئيس اللجنة التنفيذية، ووضع (ابن سلمان) الهدف أن تصبح عسير في مصاف المناطق المتقدمة، بناء على مكامن القوة العظيمة الموجودة فيها. حقيقة لغته وطريقة حكي المقدام، يكفي إن ولي العهد يطرح المهمة، حسسني أنها مهمة وطنية من الطراز الأول، وفيه أشياء ما أقدر أقولها»، مشيرا إلى أن «ولي العهد يحب المنطقة وأهلها كما يحب بقية المملكة، ومؤمن أن أهلها يستطيعون، بالتعاون، النهوض بالمنطقة إذا وضعت لهم خطة صحيحة».
وأضاف: «قال ولي العهد، سأعطيك الصلاحيات وأمكنك، وأي عقبة تواجهك خبرني عنها»، لافتا إلى دور محمد بن سلمان في هذه المهمة بالقول: «يعطيك التوجه والبوصلة، ثم الإعداد قبل تولي المهمة»، كما كشف فحوى رسالة بعثها له ولي العهد بعد أسابيع من لقائه، وجاء فيها: «تشكلون لجنة تنفيذية، بعدها لا بد أن تبحثوا عن شخص يكون كفؤًا لإنشاء الهيئة من خلال تشكيل فريق محترف بطراز عالمي، ثم هذا الاستشاري يتعاقد مع استشاريين عالميين لإعداد خطة إنشاء الهيئة، وبعد اكتمال إنشاء الهيئة، ننتقل للمرحلة الثانية لخطة التطور والتشغيل من خلال مجموعة من المتخصصين الدوليين والمكاتب المتخصصة، وذلك كله يستغرق وقتاً وقدرة، وبعد ذلك يبدأ التنفيذ في وقت لا يتعدى كذا، ويا حبذا لو أن أعضاء الهيئة التنفيذية من هذه الصفات (وضع صفات معينة)، بذلك يكون أمامكم خارطة واضحة تنتهون من إجراءاتكم ويبدأ الكادر الوظيفي في الاكتمال وبعد ذلك يبدأ التنفيذ».
وهنا يظهر دور القائد في تفويض السلطة، وأيضا في التخطيط.
ومن حديث ابن طلال، انتقل إلى رحلة سمو ولي العهد حفظه الله في دول مجلس التعاون، وكيف استطاع ابن سلمان أن يذيب الجليد بين الأشقاء، ويعيد الروح لمجلس التعاون لدول الخليج، بعد فترة من الجفاء نتيجة اختلاف وجهات النظر في قضايا معينة.
وتأتي لقطة سمو ولي العهد مع نائب رئيس الوزراء في سلطنة عمان الشقيقة، حين أشار سموه إلى تقديم القهوة إلى الضيف، وهي من كرم الضيافة العربية. إن نظرة ابن سلمان وحركة يده إلى المسؤول تحمل الكثير من السمات القيادية، فهو رغم اهتمامه وترحيبه بالضيف، ورغم أهمية اللقاء عطفا على الوضع الذي تعيشه المنطقة، لم ينس حفظه الله كرم العرب مع الضيف.
ثلاث مواقف حدثت ورويت أو شاهدها الجميع تحمل في طياتها الكثير والكثير عن ابن سلمان، قائد المستقبل، حكيم الشباب، الملهم المستنير.
ولعلي أختم مقالي هذا بما خطه يحفظه الله من كلمات في سجل الزيارات في دولة قطر الشقيقة، وأقصد هنا حسن الخط وجماله، والكتابة بالتشكيل، كأنها لوحة فنية نفتقدها تماما مع انتشار اللغات الخزعبلية في وسائل التواصل الاجتماعي، وتتوافق مع الاحتفاء باللغة العربية.
سيدي: عجزت في وصفك الأبيات والكلمات...