د. محمد عبدالله الخازم
تقوم الحرب بين طرفين أو عدة أطراف، فيكتب المنتصر والمنهزم وفق معايير كتاب التاريخ، لكن للحروب قصصاً جانبية أكثر تداولاً وإنسانية، ألا وهي قصص المهمشين الذين تعطبهم الحروب وتفتك بمستقبلهم المشرق وتقرن قصصهم مع أولئك الذين يضحون بأنفسهم في سبيل إغاثة المتضررين من الحروب، ودعم معاشهم في الأساسيات الحياتية والإنسانية. يتدرب الجنود على الحرب ولغتها غالباً ما تكون الضرب بقوة كلما كان ذلك مستطاعاً، كحتمية الانتصار في المعارك. لكن جنود الإنسانية يتسللون وسط ضجيج المعارك لينقذوا شيخاً يكاد يموت أو يساعدوا طفلاً حرمته الحرب التعليم أو يعالجوا طفلة داهمها المرض أو يطعموا أسرة تقطعت بها السبل أو يوفروا ماءً لقرية نائية أو يمهدوا طريقاً في الغابة والجبل.. إلخ من المهام الجسام. يقطعون آلاف الأميال وسط طرقات غير آمنة أو غير سالكة ويلبسون دروعهم الواقية ليل نهار خشية قنبلة مهملة على طرف الطريق أو رصاصة حرب تداهمهم من أحد أطراف الحرب. أدواتهم بسيطة وسط أدوات الصراع الحربية المتمثلة في طائرات القتال ودباباته وصواريخه وعتاده الضخم.
شعارهم: أنقذ نفساً أولاً، عالج صعوبة حيوية وإنسانية ثانياً، واصنع مستقبلاً لأطفال وأسر تقطعت بها السبل ثالثاً. لا تعيقهم الخلافات السياسية والتحليلات الحربية، بقدر ما يبحثون عن ثغرة ينفذون منها إلى تقديم ما يؤمنون به من قيم لخدمة الإنسانية وفق شعاراتهم المشار إليها أعلاه.
بلادنا لم تتوان عن تقديم جهودها الإغاثية والإنسانية في البقاع والأزمات كافة سواء ما خلفتها الكوارث الطبيعية أو الحروب، وبالذات في دول العالم الإسلامي مترامي الأطراف وليس الأمر بمستغرب في هذا الشأن. وفي حربنا الراهنة يأتي أثر الفعل الإنساني أعظم من سابقه لأننا طرف في الحرب التي نعتقد أن قيادتنا وكل سعودي يرجو أن تنتهي بما يحقق أمن بلادنا وسلامة أهلها وأراضيها. نحن لم يكن هدفنا إيذاء الإنسان البسيط ولا الأسرة الصغيرة في أطراف القرى ولا الموظف في مرجعه أو العامل في حقله، ونقدر بأن هناك ضحايا لا ذنب لهم في هذه الظروف، لذلك تدعم المملكة العمل الإغاثي في اليمن وغيره من مناطق النزاع قدر المستطاع. لقد أكد هذا الأمر قادة بلادنا، بدليل أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله سمح بإطلاق اسمه على مركز الإغاثة النشط الذي يأخذ على عاتقه القيام بمهمة الإغاثة الإنسانية السعودية. كلنا يعلم أن خادم الحرمين الشريفين لم يسم جامعة أو مدينة باسمه حفظه الله لكنه قبل بتسمية مركز الإغاثة باسمه لأنه يؤمن بهذا العمل وأهميته وله تجاربه السابقة القيمة فيه منذ كان أميراً لمنطقة الرياض.
مركز الملك سلمان للإغاثة يبذل جهوداً كبيرة في مهام الإغاثة والعمل الخيري نقدرها باعتبارها تعكس وجه الإنسانية المشرق لبلادنا وتتمثل رسالة القيادة في هذا الشأن. كما أن هناك الجهود الرسمية الأخرى، ففي اليمن تحديداً يأتي برنامج إعمار اليمن الضخم ليكون الذراع الرسمية للدولة يكمله الذراع الخيرية، ممثلة في أعمال مركز الإغاثة؛ هكذا يتكامل الرسمي مع الخيري.
حفظ الله بلادنا ووقانا شرور الحرب وأنعم علينا بالسلم والخير..