نجلاء العتيبي
«يسجّل الدماغ أقوى الذكريات للإنسان مع المكان حينما يوجد أكثر من عنصر مرتبط بالشخصية، فإذا حصل للمرء حدث معين، ورافقه تأثير نفسي بارز؛ فإن الذاكرة تستعيد الحدث مربوطًا على الدوام بالمكان نفسه مهما طال الزمن.
ويجد المرء ذاكرته مليئة بالمواقف والأحداث والأفكار، وكلها تأتي في سياق يضع المكان إطارًا يُمسك بتلك الذكريات».
عند مروري في الذهاب والإياب به..
لطالما وجدته شيئًا مختلفًا..
ليس حجرًا صخريًّا أملس فقط، ولا جزءًا من مكونات جماد، ولا مكانًا يرتاده الكبار من أجل التنزُّه..
لو نطق هذا الحجر الصخري لرَوَى حكايات المستظلين تحته من لهيب أحداث الحياة.
هذا المَعْلَم البسيط بين مدينة وضاحية في مدينة يكتمل جمالها في فصل الشتاء..
أصبح دفتر ذكريات الكثيرين، لا يمكن أن يكون المرور به بدون الالتفات له، والتبسم، وإلقاء التحية عليه..
فالإنسان مخلوق لطيف لديه ذاكرة تحمل رموزًا عدة تمثّل الرابط بين الأشياء، قد يكون الرمز مكانًا، صخرةً، شجرةً، صحراء..
أيًّا كان، فهو مادة جمادية تمثّل ذاكرةً تاريخية للإنسان..
لذلك نجد أنفسنا عند الحنين نبحث عن هذا الرمز، أو ما يُمثّله من آثاره وبقاياه..
ولا يمكن أن تُحفظ ذكرى بدون وجوده..
عندما يُزال سيتلاشى سِحْر أسطورته..
يصبح عند تذكُّره ومضة تَعْبر ولا تظهر..
ما سبق من تأمُّل في قوة تأثير الرموز على ذاكرة البشر دفَعني إلى التشبُّث أكثر بضرورة المحافظة على كُلّ مَعْلم مكانيّ تاريخي..
فهو بمثابة ديمومة تاريخ وتُراث الشعوب..
وبالذات في هذا الزمن الذي يشهد تغييرات سريعة حتى تظل الهوية وقِيَمها محفوظة لأجيال عديدة..
سيبقى الرمز المكاني التأريخي هو الثابت بعد أن تغيب الذاكرة يَحمل قِيمًا عظيمة يمكن الاستفادة منها في زمننا الحاضر..
باستدعائها في صورة عمل ثقافيّ تثقيفيّ تبعًا لأهميّته وفائدته الوطنية..
لقد شاهدنا مؤخرًا أعمالاً غنيَّة بالإبداع..
ذات صبغة عالمية بروح تراثية..
أحيت هذه الرموز، وملأتها بالحياة..
التراث المكاني كنزٌ للفن والأدب عندما يُستغلّ بطرق مبتكرة بسيطة سيعطي نتائج ساحرة مميزة..
إن توظيف التراث شيء مهمّ في حياة الشعوب، وهي رسالة سلام للتعايش..
لكنني أتصوّر أننا نحتاج إلى المزيد من إظهار هذه الرموز بالبحث في جميع مناطق المملكة.
ضوء
بلا ذاكرة لا توجد تجارب.. لا يوجد سوى الفراغ.. فراغ الموت.
الدكتور غازي القصيبي