علي الخزيم
المُعتمد بن عبَّاد آخر ملوك بني عبّاد بالأندلس؛ حكم إشبيلية وقرطبة، اتفق المؤرخون على ارتفاع قدره ودماثة أخلاقه، شاعر وفارس صنديد، تَفرَّد بتدوين سيرته بقصائده، قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: (من أعلم الرجال بالرجال، فارس شجاع، عالم أديب، ذكي وشاعر مُجيد، مُحسن وجواد كريم، من أبذل الملوك راحة، وأرحبهم ساحة)، زال مُلك المعتمد على أيدي المرابطين ونفوه إلى مراكش المغربية وتوفي هناك، ولأن الحديث هنا لمجرد التأمل والعبرة بمآلات الأحوال وتقلُّبها واستحالة ديمومتها لأحد فلا يأمن المُتَنعم زوال النعمة؛ لذا فالمتأمل يتذكَّر ما عاشه المُعتمد وأسرته من نعيم السلطان ورغد العيش بالقصور والضِّياع، وفاخر الجواهر والملبس، وبمجلس المعتمد تبرز زوجته (اعتماد الرُّمَيكية) الفاتنة الشاعرة الأديبة الأريبة وتمَكُّنها من قلبه ومشاعره وصولاً لبعض قراراته بمحيطه الوزاري وعلاقته بالجلساء، فهي مع ذلك لم تَنْج من استدراج النعمة لسلوكها وأفكارها؛ فقد كانت جارية أعجب بها المعتمد فحررها واتخذها الزوجة المَحظيَّة بين زوجاته وجواريه، وأغدق عليها الحب والمال والجاه، حتى أنها من باب التفكُّه والترفيه طلبت يوماً السير حافية على الطين كسابق عهدها؛ فخُلِطت لها صنوف الأطياب بالزعفران والحنَّاء لتسير عليه مع بناتها وجواريها وسط ضحكات ومرح، فسبحان مُبدل الأحوال الذي جعلها تعود للسير على الطين وبناتها رغماً عنهن بمنفاهم بقرية (أغمات) قرب مراكش حيث توفيت كمداً هناك قبيل زوجها بأيام.
وحضور بارز ومَكِين لشاعر المعتمد الوزير أبو بكر محمد بن عمَّار الذي نشأ وسط مرارات الفقر والفاقة، وكان شِعره وذكاؤه مصدر إعجاب المعتمد؛ ورغم حذقه وفصاحته وعلمه وشخصيته القيادية؛ إلَّا أنه يميل للوصولية وحب الذات والوصول لأهدافه بكل طريقة حتى لو كانت على حساب قيم المبادئ والوفاء، ولو سلك بذلك ممرات الدهاء والغدر، وتسلَّح لذلك كثيراً بجودة شعره وحدة لسانه لا سيما بالهجاء الذي كان يخشاه أمراء الأندلس، وقرَّبه المعتمد فكان نديمه وجليسه ووزيره وسفيره ومستشاره؛ حتى أن زوجة المعتمد (اعتماد) كانت تغار منه وتوغر صدر المعتمد عليه لكنَّه يُبادله الوفاء؛ والإخلاص له رغم تعريضه بزوجته بإحدى قصائده، حتى تبيَّن للمعتمد تقلُّب حاله وابتزازه واستئثاره ببعض الضِّيَاع وإمارة كلَّفه بضمها لمملكته، فلم يكن ابن عمار بما منحه الله من علم وشعر وفروسية وذكاء وقرب من السلطان؛ ذاك الحصيف الذي يرعى نعمة الله عليه ويحفظ ود وجاه من وهبه الإخاء وجعله بمقدمة خُلَصَائه، فكانت نهايته على يد المعتمد قتلاً.
وحضور لافت للشاعر الرقيق أبو الوليد بن زيدون الذي كانت علاقته بالمعتمد منذ عهد والده المعتضد الذي أولى اهتماماً كبيراً بالشعر والشعراء فيستقبلهم كل اثنين وبينهم ابن زيدون وزيره وأشعر شعراء عصره، فكان نموذجاً بعلاقته بالملوك، إلَّا أن علاقته بالشاعرة (ولادة بنت المستكفي) كانت عاصفة بالتجاذبات العاطفية مما وفَّر له لاحقاً اوقاتاً بجانب المعتمد شهدت تنافراً مع الوزير الشاعر ابن عمار واعتماد الرميكية؛ وكل ذلكم حَمل من العِبَر والنقائض والمفارقات ما يدعو للاتعاظ ثم التبسُّط وتقدير وحفظ النعم.