قال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (سورة النور)، جاء في تفسير هذه الآيات أن المُراد مِن رَفْعِها بِناؤُها لِقَوْلِهِ: {بَناها، رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها}، (سورة النازعات)، وقَوْلِهِ: {وإذْ يَرْفَعُ إبْراهِيمُ القَواعِدَ مِنَ البَيْتِ...}، (سورة البقرة - الآية 127)، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: (هي المَساجِدُ أمَرَ اللَّهُ أنْ تُبْنى). وهذا ما ابتغاه رجلُ الفضلِ الشيخ عبد اللطيف بن أحمد الفوزان وإخوته وأبناؤه من هذه الجائزة لتحثّ المهندسين والمصممين أن يجتهدوا ويتنافسوا في التصميم والتنفيذ؛ ذلك أنّ المسجد منذُ أن اختط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسجده في المدينة المنوّرة وتوالى بناء المساجد في أرجاء المعمورة؛ أخذ أهل الدثور والأموال يبذلون أموالهم سخيّة بنفسٍ رضيّة لبناء وعمارة المساجد امتثالاً لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ، أوْ أَصْغَرَ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) رواه ابن ماجة (738) وصححه الألباني. ويقول شرّاح الحديث عن هذا إنّ بناء المساجد وإعمارها وتهيئتها للمصلين من أفضل أعمال البر والخير التي رتب عليها الله تعالى ثوابًا عظيمًا، وهي من الصدقة الجارية التي يمتد ثوابها وأجرها حتى بعد موت الإنسان. قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}، (سورة التوبة - الآية 18)، ومن شارك في بناء مسجد كان له من الأجر على قدر مشاركته، وله أجر آخر على إعانته غيره على البر والتقوى. ومن خلال معرفتي التامة بالمحسنين الشيخين الفاضلين عبداللطيف ومحمد الفوزان وأبنائهما البررة؛ يتّبعون هذا النهج ويسيرون وفقه، فهم ينفقون أموالهم بأنفسٍ راضية فوجوه الخير كافة، ومنها بناء المساجد وعمارتها، وتأثيثها؛ سواءٌ أكانت بالمملكة العربية السعودية أو خارجها، يبتغون من ذلك فضلَ الله وأجره الجزيل، أسأل الله أن يثيبهم ويزيدهم من فضله ويُبارك لهم بالمال والأهل والولد. ومن عِظَم اهتمامهم بهذا المجال أن أسسوا جائزة تحت مُسمى (جائزة عبداللطيف بن أحمد الفوزان لعمارة المساجد)، ولقد حضرت الحفل الذي أُقيم بالمدينة المنوّرة تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة، ولقد كان احتفالاً مهيبًا حضره علماء أجلاء، وحضورٌ كبيرٌ من المهتمين بهذا الجانب، ومن أهداف هذه الجائزة الرعاية والاهتمام ببيوت الله وجماليتها وإعادة الدور الحضاريّ للمساجد؛ لتكون مراكز إبداع وتوفير قواعد معلومات وبيانات علمية معمارية وفنّية مهنية؛ لتكون عونًا للمعنيين والمهتمين والمتخصصين؛ كما تهدف هذه الجائزة إلى توفير ما يحتاجه أولئك المهندسون من الصور والرسومات والأشكال الهندسية المعمارية؛ وذلك من خلال الكتب المنشورة؛ ومنها كتاب (اللحظة والمكان- عمارة المسجد في القرن الحادي والعشرين)؛ الذي ضمّ صورًا ومعلوماتٍ من مختلف أقطار العالم الإسلاميّ، ومن الجدير بالقول شكر القائمين على هذه الجائزة؛ وبالأخص لجان التحكيم الذين بذلوا قُصارى جهدهم للوصول إلى المساجد وفق شروط وضوابط جائزة عبداللطيف الفوزان لعمارة المساجد، وكانت هذه المساجد من مختلف البلدان، من المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا وبنغلاديش وغانا وإندونيسيا، ومما يلفت النظر أنّ الجائزة لفئاتٍ أربع، هي فئة المساجد المركزية ذات التأثير والحضور على المستوى الوطنيّ في كل بلد، وفئة المساجد التي تُقام عليها صلوات الجُمَع وفئة مساجد الأحياء وفئة المساجد المجتمعية. وجائزة الشيخ عبداللطيف الفوزان لعمارة المساجد هي واحدة من مبادرات برنامج الفوزان لخدمة المجتمع الذي يُعنى بتطوير وإدارة العديد من المبادرات النوعية ذات الأثر المُستدام لتمكين المجتمع وخدمة الاقتصاد والبيئة؛ إذ إن من شروط وضوابط هذه الجائزة أن يُعنى بالبيئة المحيطة للمسجد كما يُعنى باقتصاد التشغيل للمساجد؛ وذلك حفاظًا على الموارد الطبيعية والمالية، ولقد بذل الشيخ عبداللطيف الفوزان وشقيقه الشيخ محمد بن أحمد الفوزان ورئيس مجلس أمناء الفوزان لخدمة المجتمع، ورئيس اللجنة التنفيذية للجائزة الشيخ عبدالله بن عبداللطيف الفزان جهودًا تُذكر فتُشكر، بالإضافة إلى اللجان المُنبثقة من الجائزة لوضع الشروط والضوابط، وبالتالي حسن التنفيذ والاختيار وإدارة الاحتفال الذي أبهج وسرَّ جميع من حضر ذلك الاحتفال؛ ومن ذلك الاهتمام أن أُقيم بطيبة الطيبة المدينة المنورة بالقرب من مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحرم المدنيّ، ولقد سعدت بالاطلاع على الكتاب الذي صدر بهذه المناسبة (اللحظة والمكان)، الذي ضمّ بين دفتيه كلمة أخرى لمؤسس الجائزة الشيخ عبداللطيف الفوزان، وكذلك أعضاء من لجنة التحكيم مع عدد من فريق الجائزة، وكذا كلمة رئيس اللجنة التنفيذية للجائزة الشيخ عبدالله بن عبداللطيف الفوزان الذي تحدّث عن أسماء المساجد المُدرجة في القائمة الطويلة للجائزة، والذي أشار إلى أن عملية الترشيح للجائزة قد مرّت بتطوّر كبير بالفكر والمنهجية منذ بداية الدورة الثالثة، وذلك للتوسّع الكبير في النطاق الجغرافيّ؛ حيث كانت تستهدف دول الخليج الست، وفي الدورة الثانية استهداف الدول ذات الأغلبية المسلمة 50 دولة، وفي الدورة الثالثة كانت قفزة كبيرة في تاريخ الجائزة، ومع ما واجهه الفريق من العقبات التي تعترض هذا العدد الكبير من البلدان والثقافات واللغات؛ حيث لم تكن هناك أي معلومات عن مساجد غرب أفريقيا ووسط آسيا، مما جعل مهمة فريق الجائزة تواجه تحدياتٍ كبيرة، ويؤكد أمين الجائزة عبدالله بن عبداللطيف الفوزان أنّ اختيار المساجد بمنهجية شفافة ومحايدة بالكامل؛ حيث تم ترشيح 201 مسجد من 48 دولة من جميع الدول ذات الأغلبية المسلمة، من آسيا وأفريقيا وأوروبا. وبحق، إنّ هذا الكتاب يُعدُّ مصدرًا تاريخيًا ومرجعيًا للمساجد في أرجاء المعمورة وعلى المهندسين والراغبين في بناء المساجد الاستفادة من هذا الكتاب ومما يحتويه من تصاميم عالية الجودة ومتميزة. نسأل الله أن ينفع بهذه الجائزة وأن يثيب مؤسسها والقائمين عليها خير الجزاء، وأن تكون مثقالاً لحسناتهم يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.