عبده الأسمري
منذ أن بدأت أولى بوادر «الشعر» في معلقات «العصر» الجاهلي وحتى امتلأت أسواق العرب بخطابات «الشعراء» واكتظت مجالس «السلاطين» بمقامات الأدباء كان «الإنسان» محوراً أول لانطلاق الأدب واهتماماً أمثل لاستباق الثقافة الأمر الذي جعل «الأديب» شخصية باحثة ومستطلعة وواعية تحت «لواء» البعد الإنساني وفي «عطاء» المجد الثقافي.
في عصور الإسلام كانت «المفردة» اللغوية سيدة «المكان» وكانت «البلاغة» أداة «الإبداع» حيث كان «الخلفاء» يبحثون عن الحكماء وأصحاب الخطاب البليغ ليكونوا «سادة» في مجالسهم ومن المقربين حتى أن خطابات الحكام كانت تعتمد على «الجزالة» اللفظية و»الدلالة» الإبداعية فكان للكتابة «أثرها» على التلقي و»تأثيرها» في ردة الفعل.
ظل «الشعر» اختصاراً لمعاناة الشعوب وانتصاراً لمكانة الأقوام حتى ظل «وسيلة» تلجأ إليه العشائر في حروبها ضد غيرها وكان رسالة «إنسانية» في طلب العفو ونيل الطلب وإغاثة الملهوف وإيقاف الحرب وإطلاق الأسرى وإتمام الصلح في «برهان» مؤكد لما للثقافة والأدب من تأثير عظيم في إيصال «الأفكار» وأثر أعظم في استجلاء «القرار» وفي رسم «الاستقرار»..
رغم مضي قرون على وفاة شعراء فطاحلة مثل «حسان بن ثابت» و»أبو الطيب المتنبي» و»أبو العلاء المعري» و»أبو تمام» وأدباء مثل «الجاحظ» و»ابن المقفع» و»الحسن البصري»، ولا تزال جامعات العالم تناقش حتى الآن رسائل ماجستير ودكتوراه وبحوث لنيل درجات الأستاذية في علمهم وأدبهم وإنتاجهم ولو بحثنا عن «السر» الخفي لوجدناه في أنهم كانوا يتعاملون مع الثقافة كَهَمْ إنساني ويعتبرون الأدب مهمة بشرية فكان «الأثر» باقياً لعصور وسيظل رغماً عن ثورة التقنية.
تمثل الثقافة عنواناً للشعوب متى ما تم الالتزام بمضامينها وكان فرسانها من أصحاب المواهب والمهارات ومن أهل الاختصاص وتمت حمايتها من «الدخلاء» وبقت ميادينها ودروبها نقية وصافية من شوائب القادمين لنيل الشهرة على حساب المنتج وظل «الإنسان» سراً لنجاحها وبقيت «الاحترافية» علناً لإتمام تميزها.
تكتظ النفس الإنسانية بالهموم والمتاعب والأحزان وفي كل جزء من كوكب الأرض «قصة» خفية تحتاج لمن ينتزعها من «جوف» الصمت لتظهر جهراً في «رواية» أدبية أو «نص» شعري أو «مجموعة» قصصية أو «خواطر» أدبية حتى يتحول «الأدب» إلى مجال لدراسة «تفاصيل» الحياة وارتباطها بالنفس الإنسانية ومن ثم إخراجها في «قوالب» أدبية تستدعي «التحليل» و»النقاش» و»النقد» و»الحل».
تتمازج النفس بطبيعتها المجبولة على «حب» الاستطلاع والمصقولة بعشق «الاطلاع» إلى البحث عن «الذوق» الأدبي في الإنتاج المكتوب أو المسموع وصولاً إلى تشربها «الذائقة» التي تنعكس على «صفاء» الذات وتسهم بفاعلية في زحزحة « الهم» و»إذابة» الغم وتبديد «الحزن» عندما يطلع الإنسان على متاعب اختفت في سطوة «النسيان» أو مصاعب تضاءلت وسط حظوة «السلوان».
يرتبط الأدب بعلم النفس وجل «الإنتاج» الأدبي يرتبط بحياة الإنسان ويترابط مع عيش البشر.. فنرى تواءم «المعاناة» بين شعوب متعددة رغماً عن المسافات التي اختصرتها «الثقافة» في منتج معين ونجد الملاءمة البشرية والمواءمة الإنسانية بين «الهم» الثقافي الذي يحول «الشخصيات» من واقع ملموس وقصة واقعية إلى رواية تتمدد أبعادها وتتجه مصائرها ما بين الأنين والحنين واليقين لتكون «النهاية» مخرجاً من «متاهات» الآلام أو فرجاً من «تداعيات» الأحزان.
يقدم الأدب للنفس «توليفة» سحرية من النجاة تعتمد على موجهات «التذوق» للإنتاج وموجبات «الاحتذاء» بالتجارب في منتجات مختلفة بعضها كان خليطاً بين الواقع والخيال وآخر كان وسيطاً بين المعاناة والمناجاة ونوع ظل ضياءً بين المتاهة والخارطة.
علم النفس الأدبي تخصص يجب أن يكون حاضراً في مناهج «الجامعات» وحاضراً في بحوث «المفكرين» وأن يكون هنالك برامج علاجية للاستشفاء بالقراءة والكتابة والعلاج السلوكي بالثقافة والمعرفة لأن «الإنسان» كتلة من المشاعر والسلوكيات المتداخلة التي تراوح بين العقل «الباطن» وبين «السلوك» الظاهر وتنكص إلى «مواقف» وتمر بمحطات وتمضي إلى «مواقف» لذا كان «الأدب» وسيلة ناجعة وغاية نافعة لتفريغ «الجوانب « الخفية وإظهار «المتاعب» المخفية لتأتي في «إنتاج» يلامس «الوجدان» البشري ويخاطب «الداخل» الإنساني.