أ.د.عثمان بن صالح العامر
في اليوم الثامن عشر من شهر ديسمبر في كل عام ميلادي يحتفل العالم أجمع بيوم اللغة العربية، وهو اليوم الذي أعلنت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها سنة ألف وتسعمائة وثلاث وسبعين بجعل اللغة العربية لغة رسمية في المنظمة.
واللغة العربية فضلاً عن كونها وسيلة التواصل الحضاري في تاريخ أمتنا المجيد فإن الله عز وجل قد منحها دون غيرها من اللغات المحكية القداسة الربانية حين ضمنها السلسلة الذهبية على الاطلاق، فقال سبحانه وتعالى : {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}.
لقد شُرفت لغتنا بهذه الخصائص الفريدة، وأي شرف أسمى وأعظم من كونها تجاوزت عالم الأرض والتواصل البشري لتصل الإنسان بملكوت السماء، بالله سبحانه وتعالى، حيث القرآن الكريم الذي هو كلام رب العالمين الذي نزل به أشرف الملائكة (جبريل) عليه السلام، على أشرف بشر على الإطلاق، سيد الأولين والآخرين وخير الأنبياء والرسل أجمعين (محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم).
ومن هذا الباب وعلى هذا الأساس كان الاهتمام الكبير باللغة العربية والدفاع عنها من قبل المملكة العربية السعودية في المحافل الدولية والمؤتمرات الدولية، والسعي الجاد لجعلها لغة العلم والصناعة والإنجاز والرفاهية والسياحة والتقدم.
لقد قيل لنا إن العولمة الثقافية ستلغي الثقافات الهشة وتميت اللغات الضعيفة وفي نفس الوقت ستتوارى عدد من اللغات العالمية لتبقى لغة واحدة هي فقط السائدة والمؤثرة والفاعلة، حتى قيل عن موت اللغة العربية وعجزها عن مواكبة العصر وتطورات الحياة في عصر العولمة الصعب، ويأتي الجواب من المفكرين والسياسيين والمثقفين والكتاب والتقنيين بل من عامة الناس والدهماء (ما تراه لا ما تسمعه) فالإحصاءات تدحض هذا القول، إذ اللغة العربية اليوم رابع أقوى لغة في العالم من حيث الانتشار، وأسرع لغة نمواً على الإنترنت، نعم اللغة العربية اليوم تتعافى وتعيش عصراً زاهراً (أفضل بكثير مما كان، فواقعها مع مطلع القرن الحادي والعشرين أفضل بمئات المرات من حالها في القرن التاسع عشر).
إن أبرز اتهام وُجِّه للغة العربية عبر تاريخها الطويل هو: عجزها عن مواكبة التطور البشري الصناعي منه والتقني والفكري والعلمي والاقتصادي والسياسي، وعدم صلاحيتها لمجاراة الخطاب العالمي المعاصر الذي ينطق ويكتب باللغات الحيَّة الأخرى المعروفة خاصة الإنجليزية -اللغة الدولية الأولى بامتياز-، ولذا كثيراً ما طرح المستشرقون ومن دار في فلكهم العامية - المحكية، باعتبارها البديل الأنسب للكتابة الثقافية والتواصل المجتمعي مع جعل اللغة الإنجليزية وأحياناً الفرنسية لغة رسمية في المحاضن والمراكز والمنتديات التعليمية، والاجتماعات واللقاءات والمؤتمرات الدولية، بل وأحياناً في المخاطبات الرسمية والدوائر الحكومية، وعلى هذا فاللغة العربية كانت وما زالت في تحد حقيقي خاصة:
- مع التسارع المهول في التقدم العلمي الطبي والهندسي والصناعي والتقني الذي قفز قفزات خيالية في عصر العولمة الذي نحياه.
- وكذا عجز الترجمة للعربية الوفاء بمتطلبات المرحلة.
- فضلاً عن تخلف العقل العربي وعدم مقدرته السبق الثقافي والتواصل الحضاري الذي ينعكس بدوره سلباً أو إيجاباً على لغتنا العربية.
وتأتي هذه المناسبة لتذكر بقيمة لغتنا الأم وواجبنا نحوها لتحقيق تواصل حضاري بلغة عربية صرفة، دمتم بخير، ودامت اللغة العربية حية فعّالة محفوظة بحفظ الله عزّ وجلَّ لكتابه الكريم ثم بوجود إنسان عربي مدرك لدوره في تحقيق وجوده الحضاري وعالم يقيناً أهمية اللغة في السبق والتمكين العالمي. وإلى لقاء والسلام.