م. بدر بن ناصر الحمدان
الكاتبة والروائية الأمريكية المتخصصة في أدب الأطفال والمراهقين «ريبيكا ستيد» قدمت في رواية اسمها «عندما تصل إليّ» شخصية تلميذة صغيرة في الصف السادس تدعى «ميراندا» تعيش مع أمها في حي صغير بمدينة نيويورك في حقبة السبعينيات من القرن الماضي، ولكي تبقى هذه الطفلة آمنة في هذه المدينة المتوحشة صاغت الأم عدداً من القواعد عليها الالتزام بها، مثل: (احرصي دائمًا على إخراج مفتاحك قبل أن تصلي إلى الباب الأمامي، إذا كان هناك شخص غريب أمام المبنى فلا تدخليه مطلقًا فقط استمري في المشي حول المبنى حتى يغادر، انظري إلى الأمام إذا كان هناك شخص يتصرف بغرابة في الشارع إن بدا مخمورًا أو خطيرًا، اعبري إلى الجانب الآخر من الشارع لكن لا تكوني واضحة واجعليها تبدو كما لو كنت تخططين لعبور الشارع على طول الطريق، لا تظهري أموالك في الشارع...).
توثيق علاقة الأطفال بالمدينة كان هاجساً في كثير من الروايات والأفلام والمسلسلات التي كانت دائماً ما تُظهر قلقاً دائماً حول حياة الطفل في المدينة والخطر المحدق به سواء كان ذلك خطراً أمنياً من اللصوص والمجرمين وذوي السلوكيات الغريبة، أو كان ذلك خوفاً من خطر السيارات العابرة للطريق وفي الميادين، أو من الأعمال المدنية والتعرض لمخاطر السقوط، وأخرى تتعلق باحتمالية ضياعهم وفقدانهم داخل تلك المدينة، ما يمكن قوله إن هذا التاريخ الطويل من الرصد، لم يظهر ثقة كبيرة بين الطفل والمدينة التي تم تصويرها في كثير من الأحيان على أنها مكان غير آمن للأطفال.
على المستوى «العمراني» فالأطفال يعيشون بصورة مُقيّدة داخل المدن، وجلّ وقتهم في أماكن مغلقة ومسورة ومحكمة الحركة وبإشراف مباشر من ذويهم ولا يملكون الحرية الكافية للتحرك في فراغ المدينة أو إدراك المكان الذي يعيشون فيه، وبلا شك فإن هذا ينعكس على ثقتهم في أنفسهم ونمط نموهم وبناء قدراتهم العقلية والبدنية ومهاراتهم السلوكية وعلاقتهم مع أقرانهم ومع محيطهم المكاني، وهذا ما تؤكده كثير من الأبحاث التي خلصت إلى أن «الأطفال الذين يعيشون في الريف والقرى يتفوقون على أقرانهم الذين يعيشون في المدن والمجتمعات العمرانية الكثيفة في المهارات الحركية».
تشير اقتصاديات المدن إلى أن تكلفة جعل المدن مُصممة بشكل أكثر ملاءمة لحياة الأطفال مرتفعة جداً عن تلك التي تكون فيها الأولوية للأفراد أو العائلات التي ليس لديهم أطفال، إذ إن الطفل يحتاج إلى مرافق وخدمات وبنية تحتية ذات خصائص مختلفة من نواحي التصميم والتنفيذ والصيانة والتشغيل والرقابة، ويمكن القول إن هذا الجانب الاقتصادي قد يكون العامل الخفي الأكثر تأثيراً في عدم توجه المدن لمنح الأطفال الأولوية في بناء بيئتها العمرانية.
على الأرجح فإن كثيراً من المدن مطالبة بالتفكير في بناء علاقة أكثر قرباً بينها وبين الأطفال الذين يعيشون بداخلها والتركيز على برامج ومشاريع ومبادرات عمرانية تكفل إعادة تلك الثقة المفقودة.