د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
لأول مرة منذ 8 أعوام تتحول ميزانية عام 2022 للفوائض بـ 90 مليار ريال، وتم تعويض العجز في سنوات العجز بالسحب من الاحتياطي بنحو تريليون ريال عدا الاقتراض، حيث ارتفعت الإيرادات غير النفطية خلال عام 2020 لمستوى قياسي بنحو 358 مليار ريال مرتفعة من 44 مليار ريال عام 2000 إلى 126.8 مليار ريال في عام 2014.
حيث يرجع ارتفاع الإيرادات غير النفطية بشكل رئيسي إلى استمرار تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي، ومنها ضريبة القيمة المضافة التي تم تعديلها من 5 في المائة إلى 15 في المائة اعتباراً من شهر يوليو 2020 نتيجة تضرر الإيرادات جراء تفشي جائحة كورونا، وتراجع أسعار النفط، حيث تبلغ القيمة المضافة على السلع والخدمات نحو 209 مليارات ريال في 2021، و17 مليار ريال ضرائب على التجارة والمعاملات التجارية، و13 مليار ريال ضرائب على الدخل والأرباح والمكاسب الرأسمالية.
استطاعت الدولة ضبط العجز من خلال برنامج التوازن المالي، ورفع كفاءة الإنفاق خلال الأعوام الخمسة الماضية، حيث تمكنت من تحقيق وفورات من خلال هيئة كفاءة الإنفاق، والمحافظة على الاستدامة المالية (إكسبروا) بقيمة تصل إلى 530 مليار ريال، فقط في عام 2021 وفرت 120 مليار ريال، وتوجيه هذه الوفورات في مشاريع ذات الأولوية في تحقيق المستهدفات التنموية، ما مكنها من تقليص التذبذبات في الإنفاق من 25 في المائة قبل 20 عاماً إلى 2.7 في المائة حالياً، من أجل زيادة فاعلية خطة التحول، ورفع كفاءة ومهارة العاملين في العقود الحكومية، لضمان سرعة وصول الخدمات للمواطنين.
كان هناك تذبذب على مدة الـ25 عاماً الماضية في الإنفاق الحكومي مع ارتباطه بأسعار النفط، فإيرادات النفط وصلت عام 2011 حتى 2014 نحو تريليون ريال في كل سنة، فيما انخفضت إلى النصف عام 2016 ثم تحسنت في عام 2018 ووصلت الصادرات النفطية 868 مليار ريال ثم انخفضت في عام 2019 إلى 602 مليار دولار، وانخفضت أيضاً في عام 2020 إلى 513 مليار ريال.
أسهمت رؤية المملكة 2030 في معالجة هذا التذبذب في الإنفاق التي أسهمت في تنويع الإيرادات خلال الأعوام الخمسة السابقة، وبالتالي تقليل التذبذب في الإنفاق الحكومي، وأكدت الرؤية على التركيز على الاستدامة المالية على المدى المتوسط لدعم الاقتصاد، وتمكين القطاع الخاص.
تسبب هذا التذبذب في تذبذب الدين أيضاً، فانخفض من 167 مليار ريال عام 2010 إلى 44.3 مليار ريال عام 2014 ثم ارتفع الدين إلى 678 مليار ريال عام 2019، وسيظل الدين عند 938 مليار ريال في السنوات الثلاث القادمة، ويفترض أن يظل الدين عند 25.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي حتى 2024، في ظل بلوغ احتياطيات السعودية بنهاية يونيو 2021 نحو 1.67 تريليون ريال تمثل 67 في المائة من الاحتياطيات الخليجية وتمثل 46.4 من الاحتياطيات العربية الأجنبية.
قفز الإنفاق الحكومي بشكل كبير في عصر رؤية المملكة 2030 عام 2016 من أجل تحقيق رؤية المملكة من أن تصل الإيرادات غير النفطية ما يوازي الناتج المحلي، ليبلغ حجم الإنفاق الفعلي خلال الأعوام 2017 - 2021 نحو 5.16 تريليون ريال، إضافة إلى 955 مليار ريال مقدر إنفاقها في 2022، وهو ضمن إجمالي الإنفاق حتى 2030 نحو 27 تريليون ريال.
كما صعدت أصول صندوق الاستثمارات العامة منذ انطلاق الرؤية 196 في المائة بنحو 1.69 تريليون ريال وحافظ على المركز الثامن بين أكبر صناديق الثورة السيادية عالمياً بحصة 4.9 في المائة، بعدما كان في المركز الـ31 بنهاية 2015 قبل الرؤية، ويتوقع أن ترتفع أصول الصندوق في 2025 إلى 4 تريليونات ريال وفي 2030 إلى 10 تريليونات ريال.
ويضخ الصندوق في السوق السعودي على الأقل 150 مليار ريال سنوياً حتى عام 2025، والمساهمة من خلال شركاته في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بقيمة 1.2 تريليون ريال بشكل تراكمي، ويستحدث 1.8 مليون وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر، حيث يركز في ضخ استثماراته في 13 قطاعاً حيوياً واستراتيجياً ليسهم في رفع المحتوى المحلي إلى 60 في المائة في الصندوق والشركات التابعة له، ويعزز جهود تنويع مصادر الإيرادات، فضلاً عن تمكين القطاع الخاص.
وبالفعل كان نمو الاقتصاد الفعلي في 2021 بنحو 2.9 في المائة تخطى توقعات كثير من مؤسسات التصنيف العالمية مثل موديز التي توقعت نمواً بنحو 1.6 في المائة، والمالية السعودية توقعت 2.6 في المائة، وهي قريبة جداً من الواقع لأن الدولة تتحوط في جميع مؤشراتها، وهو نمو قريب جداً من توقع صندوق النقد الدولي الذي توقع نمو الاقتصاد السعودي بنحو 2.8 في المائة.