د.عبدالله بن موسى الطاير
توافر لقمة الرياض الخليجية مقومات النجاح ما ضمن نجاحها على مستوى التمثيل والقرارات؛ فالملك سلمان - حفظه الله - اتصل بقادة الخليج، وأوفد سمو وزير الخارجية برسائل لأشقائه القادة، ثم كانت زيارة سمو ولي العهد التاريخية لجميع الدول من أقصى جنوبها إلى أقصى شمالها. هذا يفسر سرعة إقرار بيان الرياض وقرارات القمة. وكالعادة كان نضج القادة يؤطر المشاعر والتوقعات المنفعلة ويعيدها إلى مدى الواقعية السياسية المنظور. فبيان القمة ركز على المبادئ الأربعة التي تضمنتها مبادرة الملك سلمان للعمل الخليجي عام 2015، وهي نفسها التي تصدرت كلمة الأمير محمد بن سلمان في افتتاحه القمة.
المقالات والتحليلات التي تلت القمة بعضها أفرط في التفاؤل، وهو تفاؤل مشروع اقتنص الفرص السانحة والأجواء الإيجابية المتفائلة، والبعض الآخر أفرط في التشاؤم، وهو تشاؤم اعتمد على تفسيرات وتأويلات تشبه أمنيات الذين يتربصون بالمجلس ودوله، وقد عمدت تلك الطروحات إلى تضخيم التحديات، وتعظيم خطر تمايز سياسات الدول الخليجية الأعضاء. وخلاصة الرأي الذي يلتقي حوله العقلاء من أبناء الخليج وغيرهم أن المجلس يسير بتؤدة؛ وهو النهج الذي مكّنه من تجاوز الكثير من العقبات الكؤود في مسيرته، وجبر الأزمات الوجودية التي اعترضته لصالح دول وشعوب الخليج. ولذلك فإن الوحدة الانفعالية لم تكن مطروحة على جدول أعماله، كما أن تمسك الدول الأعضاء بمصالحها الوطنية على حساب المصالح الجمعية لم يكن ليشكل عقبة في وجه استمرار عمل المجلس.
النهج الذي صاغه القادة قضى بوحدة المسارات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والسياسية، وعندما تُختبر عبر السنوات والمحن، وتثبت صلابتها، يكون شكل الوحدة الفيدرالية أو الكونفدرالية قد تبين، وأصبح ممكننا. قادة الخليج يريدون أن تبدأ الوحدة من القاعدة الشعبية وكل ما يتعلق بها ويخدمها من سياسات ومنجزات، وليس بقرار سياسي تفرضه القمة على أسس شعبية ومقومات وحدوية هشة.
توجد تباينات في مصالح الدول الأعضاء، ويوجد في هذا المنتدى متعدد الأطراف وجهات نظر مختلفة، وهي ظاهرة صحية، وتعودت الدول الأعضاء احترام تمايز السياسات، وتبذل الجهد في ترشيد الخلافات. هذه الممارسة العقلانية في إدارة العلاقات المتعددة داخل مجلس التعاون تحسب لصالح القيادات الخليجية. فما الذي يظهر دول المجلس على خلاف حقيقة تعاونها ونجاح مسيرتها التي تجاوزت العقود الأربعة؟
الخطاب الخليجي سواء النخبوي عبر وسائل الإعلام الجماهيرية، أو الشعبوي عبر منصات التواصل الاجتماعي يرسل إشارات مضطربة تشوش على إنجازات المجلس ومخرجات مسيرته التراكمية. وإذا كان قد تحقق للمجلس الكثير، فإنه يمكن أن يحقق المزيد، وبسرعة فيما لو تبنى صياغة ميثاق شرف إعلامي، أو تفعيل ما هو موجود، وسخرت السنوات القادمة لإنجاز المهمة بهدوء وبحزم.
تصوري للخطاب الإعلامي الخليجي النخبوي والشعبوي ينطلق من قاعدة «أنا الخليجي، والخليجي أنا»، وبذلك فإن ما يصدر عن قنوات الجزيرة القطرية، مثلا، يجب أن يتعامل مع دول المجلس كما يتعامل مع دولة قطر. وأن تفعل ذلك قنوات العربية وسكاي نيوز العربية، والحدث والشرق وغيرها من القنوات المهاجرة كالغد والعربي 21 وإندبندنت العربية، وأي قناة تمولها دولة خليجية كليا أو جزئيا.
اليوم الذي ننجز فيه ميثاق شرف إعلامي خليجي موحد نكون قد أسهمنا في رفد جهود المجلس المؤسسية بدعم شعبي خليجي وخطاب إعلامي موحد. ميثاق الإعلام الخليجي لا يعني عدم النقد، بل يعني أن النقد الذي يمارسه في الدولة التي يبث منها أو تموله، هو ذاته الذي يمارسه في تعاطيه مع شؤون الدول الخليجية الأعضاء. ليس بناء أو تفعيل ميثاق شرف إعلامي خليجي بالأمر المستحيل، ولكن تماهي التنظير مع التطبيق سيشكل تحديا يمكن تجاوزه بقرار سياسي حازم.