عمر إبراهيم الرشيد
حكى لي أحد أقاربي قصته حين ذهب لإنهاء إجراءات تقاعده، وعن طريقة تعامل أحد الموظفين ممن هم في سن ابنه. بدءاً عندما دخل صاحب القصة المكتب المختص بمعاملته فلم يجد أي موظف بل كان أحد المواطنين ينتظر بدوره إنهاء معاملته كذلك، وبعد برهة من الوقت أتى الموظف وإذا به يجادل مديره عن سبب تركه مكتبه، وعندما ذكًره المدير بالمراجعين الذين ينتظرون إنهاء معاملتهم قال (ينتظرون وش المشكلة!). طلب الموظف من صاحبنا قرار مباشرته العمل (قبل أكثر من 30 سنة!) لإكمال معاملته، وحين تبين للموظف سنة القرار أبدى امتعاضه وصعوبة المسألة، ومن الطبيعي رد قريبي بأن هذا من صميم عمل الموظف وأن عليه التعامل بلطف مع المراجعين وبالذات كبار السن كالمراجع الآخر الذي كان يتودد إلى الموظف للحصول على مطلبه. لم يحتمل قريبي مواصلة التعامل مع مثل تلك العقلية واضطر لترك تلك الإدارة، وللإنصاف كان مدير ذلك القسم لطيفاً في تعامله وممتعضاً من موظفه ورافضاً لأسلوبه في العمل. الطريف أن صاحبنا أوكل الموضوع إلى ابنه الذي يدرس القانون في جامعة الملك سعود وسبق له التدرب في أحد مكاتب المحاماة، وقد تمكن ابنه من إنهاء المعاملة دون أي تأخير بعد الحصول على قرار مباشرة العمل لإكمال معاملة تقاعد والده.
حقيقة صدمت حين قص علي قريبي هذا الموقف، وبحكم عملي في القطاع الخاص لفترة طويلة ورغم عملي في القطاع الحكومي لفترة قصيرة، إلا أنني اعتقدت بأن مثل هذه الإجراءات قد ولى زمنها مع التعاملات الإلكترونية وربط المصالح الحكومية بشبكة متكاملة وتقليل التعاملات الورقية بنسبة كبيرة، إنما يبدو أن البيروقراطية القديمة لا تزال قابعة لدى بعض القطاعات الحكومية ولدى بعض مسئوليها وموظفيها. وللموضوعية فإن سبب ما حصل لقريبي أن قرار مباشرته العمل قبل أكثر من ثلاثة عقود لم يتم إدخاله في أجهزة الحاسب وقتها، إذ لم تكن التعاملات الإلكترونية بمثل ما هي عليه اليوم وكان التعامل الورقي هو السائد، وللإنصاف أيضاً فإن النقلة التقنية التي شهدتها كثير من قطاعات الدولة وحتى القطاع الخاص أمر يماثل ما تتبعه دول العالم الأول. لكن التطوير الإداري وتطوير الكوادر البشرية وتبسيط الإجراءات واحترام وحسن معاملة المواطن والمراجع لا ترتبط حتماً بالتقنية، إذ قد يتقاعس موظف عن إنهاء معاملة لا تتطلب أكثر من كبسة زر الحاسب ودخول النظام وإنهاء الإجراء بكل سلاسة ويسر، والكلمة الطيبة والابتسامة لا تتطلب دورة تدريبية، بل هي لياقة أخلاقية ونفسية وقيمة عربية إسلامية. هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن المعاملات القديمة التي لم يتم أتمتتها وإدخالها في النظام الإلكتروني للحصول عليها وقت الحاجة، يمكن لهذه الدائرة الحكومية أو تلك التعاقد مع شركات ومؤسسات متخصصة في هذا المجال، وإدخال وأرشفة جميع تلك الوثائق التي تخصها منذ إنشائها كما عملته كثير من القطاعات، فقط هي الإدارة والعقلية التي تفكر خارج الصندوق كما يقول المثل والبعد عن تعقيد الإجراءات البيروقراطية هو ما ينقص مثل تلك الإدارات. بقي أن أقول بأن المتقاعد من حقه على مرجعه ووزارة الموارد البشرية خدمته وتسهيل إجراءات تقاعده، بعد أن خدم وطنه ومجتمعه وهو يدخل مرحلة جديدة من حياته.
تحية لكل مدير وموظف يرون عملهم واجباً لا عبئاً وبابتسامة ورضا نفس، حفظ الله هذا الوطن من كل مكروه ودمتم في رعاية الرحمن.