رمضان جريدي العنزي
المرجلة ليست (سوالف) وقصصاً وحكايا في المجالس والاستراحات والمناسبات، وليست بلون البشت والثوب والزي، وليست فرد عضلات وفذلكة لسان، أو خشونة صوت، أو قسوة كلام، أو مد اليد، أو طول الشارب وحمل العصا، وليست في الشتم، والغضب السريع، وإشاعة الفوضى، والفزعات الكاذبة، والاستعلاء والغرور والكبرياء والتسلط، واحتقار الناس واستضعافهم، وليست في التمثيل المسرحي، والاستعراضات البهلوانية، والمبالغات الباهتة، ولا هي في التحدث عن النفس، ووضعها في المرتبة العليا، والقول الفصل، والحضور المهيب، وليست في السن ولا بالجسم، ولا بالمال، ولا بالجاه، لكنها مجموعة قيم ومبادئ ومواقف وأفعال ومشاركة اجتماعية صحيحة وفعالة، وتحمل مشقة وجهداً من أجل إسعاد الناس وقضاء حوائجهم على قدر القدرة والاستطاعة. إن الرجولة أفعال وليست أقوالاً و(هياط)، إنها شعور وإحساس وتلمس، إنها صفات راقية تحضر مع صاحبها وتضيف لحضوره هيبة وسحراً وجلالاً، ولا تغيب أبداً إن غاب، بل تبقى مطبوعة في عقول الناس وقلوبهم، ومسكونة في أرواحهم. إن الرجولة أجمل ما تكون في المرء، ولا تليق بأحد، إلا أن تليق بأحد عن جدارة. إن الرجولة لا تشترى بالمال كأي سلعة، ولا تسوق بالكلام والدعاية، و(التيك توك) و(الاستقرام) و(السناب)، إنها عمل بطولي مكشوف، بعيداً عن الزيف والخداع والأقنعة، إنها كلمة حق، وإنصاف مظلوم، وخلق كريم، وسلوك حسن، وتحمل الأمانة والمسؤولية، وبذل الندى، وكف الأذى، واحتمال الورى، والتخلي عن الرذائل، والتحلي بالفضائل، والعفة، والبعد عن الغلظة، والإيثار والصدق، والبر والإحسان، والتجاوز عن الخطايا والسيئات، والوقوف بجانب الأوهن والأضعف. إن الرجولة عنوان كبير يحمل معاني كثيرة، إنها القوة في الحق، والعون والمساندة، والمواقف الحقيقية التي تشبه الأحمال الثقيلة، إنها التضحية التي تساهم في البناء والعطاء، وفي جعل القادم أفضل بكثير من الحاضر. إن (المرجلة)، أي الرجولة، كثير من يوصف بها، وقليل المتصف بها وبأفعالها، إن الرجولة فضائل ثابتة، ومعايير أصلية، وتقاليد مرعية، وحقوق مصونة، وبعد عن السفاسف في الأشياء والأمور، إنها مضامين تتخطى المظاهر، وفي مقياس الخليفة المأمون فإن الرجولة ثلاثة أصناف: (رجل كالغذاء لا يستغنى عنه، ورجل كالدواء لا يحتاج إليه إلا عند المرض، ورجل كالداء لا يحتاج إليه أبداً). يقول الشاعر أحمد الناصر الشايع رحمه الله شارحاً ومفلاً وجامعاً معنى المرجلة في قصيدته التالية:
يا بوحمد هذا زمان التهاويل
أثر الرجال أشكال ذيب ونعامة
أحد توهق به وهو مثل فيل
كنه على حوش البهايم ردامه
يشيل نفس عجز عن شيلها الفيل
وأكبر مصيبة ينتسب للزعامة
وأحد مع أهل الوقت بصر وتحاليل
وأحد تغره حشمته واحترامه
وأحد تجمل به ويكرهك بالحيل
وده على قبرك يبني خيامه
نسى الجميل وبدل العدل بالميل
وما ينكر المعروف غير الفدامة
عند المعرفة ما تبي فيه تبديل
وأتلى المعرفة بالفلس والندامه
جميلك عنده مشى فوقها السيل
سيل يدهدم كل جرف وعدامه
فرق الرجال أبعد من الجدي لسهيل
وأهل العقول أبرك من أهل الغشامة
إن كان ودك توفي الوزن والكيل
وتنزل الرجال منزل كرامة
إليا اشتبهت بوزن بعض الرجاجيل
أسمع كلامه وأوزنه في كلامه
أما حسبته من حساب المهابيل
وإلا حسبته من رجال الشهامة
من دون قولة خيلكم يا هل الخيل
الرجل منطوقه له أكبر علامة
من رافق الطيب يحوش المحاصيل
ومن رافق الباير يحوش الملامة
المرجلة ما هي تجي بالتساهيل
اللي يبا الطولات يكرب حزامه
وكان الرجال عيال تسعة مهاليل
وكل لبس بشت ولبس عمامة
مير الفخر ما هو عند المداخيل
ترى الفخر عن الخروج ونظامه
من صد لا تحفى عليه المراسيل
أوصيك لا تلعب عليك الرخامة
السالفة تحتاج شرح وتفاصيل
دايم يعز الناس كبر الجهامة