محمد سليمان العنقري
أعلنت الميزانية العامة للدولة الأسبوع الماضي، واستمر قطاع التعليم بمكانته من حيث تخصيص أعلى إنفاق من الميزانية بنسبة 19 بالمائة وبحجم يبلغ 185 مليار ريال، فهو قطاع ضخم يضم التعليم العام والعالي والمهني والتقني ويعمل فيه ما يزيد على 60 بالمائة من إجمالي موظفي القطاع العام المدني.
ومن المؤكد أن لهذا التخصيص الضخم أهداف عديدة تتماشى مع برنامج تطوير التعليم وبالمحصلة برنامج تنمية القدرات البشرية الذي يعد التعليم ركيزة أساسية فيه، فالتنافس الدولي اليوم برأس المال البشري بات هو المعيار الرئيسي لقياس تقدم الشعوب وتطورها، فالأفكار التي يطورها الأفراد بعضها تحول لشركات عملاقة قيمتها وصلت عشرات المليارات من الدولارات، خصوصاً في الاقتصاد المعرفي والرقمي وعالم التكنولوجيا الحديثة التي دخلت لكل القطاعات الاقتصادية.
وتعليقاً على ما خصص لقطاع التعليم بالميزانية، وبحسب تصريحاته للإعلام قال وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ إن هناك فجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، ويتم العمل سريعاً على مواءمة البرامج التي تقدم بالجامعات بما يتوافق مع الطلب في سوق العمل، مبيناً أن التعليم مقبل على خطوات تطوير كبيرة وانه يحتاج لتطوير بالكوادر البشرية والمؤسسات، وأن تغيير المناهج بالجامعات يأخذ وقتاً حتى يحقق المواءمة مع متطلبات سوق العمل، وأن التغيير يستهدف تطوير مهارات وإمكانيات الطلاب ليكونوا جاهزين لسوق العمل وليس للقبول الجامعي فقط، أي ما يمكن فهمه من تصريح وزير التعليم أن التطوير سيبدأ من التعليم وليس بالجامعات فقط، وبالتأكيد أن هذه الخطة التطويرية لا يمكن تنفيذها دون تعاون الجميع، خصوصاً الأسرة إذ إن تطوير التعليم قائم على العلاقة التشاركية بين الوزارة والكوادر التعليمية والأسرة والطلاب فالمصلحة هي للجميع وفائدتها عامة.
ويمكن القول إن مخصصات التعليم غير التشغيلية أي ما يخص الإنفاق على التطوير والاستثمار سيكون التركيز فيها على كل ما يساهم بإغلاق الفجوة بين المخرجات وسوق العمل، ويتضح ذلك من إشارة الوزير إلى اكتساب المهارات وتطوير الذات للطلاب بالتعليم العام، إضافة للتقنين في البرامج بحيث تتوسع الجامعات في التخصصات العلمية والطبية والهندسية وتقنين للتخصصات النظرية والأدبية، بالإضافة لإشارة مهمة بأنه سيكون هناك توجه لإنشاء كليات تطبيقية لكل الجامعات تكون مرتبطة بسوق العمل، وهذه الخطوة تمثل نقلة نوعية مهمة في مسيرة التعليم وتوزيع نسب القبول بالتعليم العالي، مما يعني أن تغييراً جذرياً في التأهيل والتدريب قادماً وسيعالج معه رفع نسب القبول بالتخصصات التطبيقية المهنية والتقنية، فحجم الفنيين والتقنيين الذين يحتاجهم سوق العمل من المواطنين للإحلال وكذلك لتغطية حاجة الاستثمارات الجديدة القادمة بقطاع الصناعة عموماً والصيانة والتشغيل لرفع نسبة توطين شاغلي هذه الوظائف كبير جداً.
العالم يتحول سريعاً نحو استخدامات التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي وعالم الميتافيرس والروبوتات والتقنيات الحديثة التي أصبحت جزءا أساسيا من المهارات التي يتطلبها أي تخصص علمي وطبي وهندسي وتقني، فلم يعد التعليم والتخصصات بإطارها الكلاسيكي القديم معياراً كافياً للتأهيل للأعمال الحديثة، فلابد من اكتساب المهارات وهذا ما يمكن التقاطه من التوجهات الجديدة في قطاع التعليم في المملكة، فالمنافسة العالمية لرأس المال البشري السعودي المستهدفة هي بالضرورة تعني اكتساب المهارات التقنية الحديثة ضمن التخصصات التي يقبل عليها الطلاب والطالبات، وهذا يتطلب جهداً وتغييراً واسعاً بالفعل بالكوادر التعليمية والمؤسسات كما ذكر الوزير وتوعية للطلاب بضرورة التركيز على أن المهارات والتخصصات الحديثة هي ما يضمن لك مستقبلاً واعداً بسوق العمل وريادة الأعمال.