هل الحاجة للمصالحة بين ما هو مادي وما هو روحي تقع على عاتق المتلقي الذي يؤمن بانسجامهما التام مع بعضهما البعض، أم سيدرك أنه بدون هذا الانسجام لن تنشأ هذه التكاملية التي تسري في أوردة الحياة التي يعيشها؟
قد ينبع هذا التلقي من عدة محاور لا سبيل لحصرها, وهذه المحاور قد نجدها هرمية الشكل رأس سنامها الإيمان العميق بالله من وجهة نظر تكاملية تؤطر هذه الصورة بشكلها الفطري.
إن للروح انقباضات متأرجحة، ميزانها الآمن الذي يمسح على وجودها هو روحانيتها مع خالقها, يقول د. محمد الخشت: الشعور الديني هو محرك الروح. هذا الشعور ليس إلا سلم من سلالمها.
ماذا لو أن التبحر في صنوف المعرفة بكل فلسفاتها وبحورها قد يكون بابًا أصيلاً لتأصير هذه التكاملية ودعمها, والتي قد يراها البعض تشكيكية، وإن كانت كذلك هل يعتبر هذا قصورًا في الثقة العقيدية؟
الروح بناؤها من روح الله، واكتمال حيواتها وتناغمها مع الكون ليس إلا كرمًا وإحسانًا منه لتأمل نعمه وتوسيع عدسة منابرها وتضييق هوة الملهيات عن الاسترسال بماهيتها.
الروح ضلع ثابت في قوامة الذات واستقامتها، ضلع يدعم كل سلوك وفكر واتجاه وبناء يتجه به صاحبه إلى حقيقته الإنسانية الكبرى.
النموذج الشخصي وإرهاصته الداخلية تتصادم مع الروحانية وأسسها المبنية على الزهد في كل شيء عدا ما يبتغى لما بعدها. هذه الروحانية تأتي بتبعاتها خاضعة بكل انسجام مع الوعي الذاتي بها للروح مباشرة.
هناك مِنحة توجد في أعماقنا، هي منحة الصلة بالله، منحة مقدسة تتجاوز ذواتنا الشخصية ووجودنا الجزئي في هذه الحياة، تتجلى هذه المنحة من خلال الإقبال على الذات والتأمل في هذا الوجود.
إنه لشعور عظيم عندما ترى أن الروح متسامية عن الملهيات التي تناقض أسس الوصول إليها؛ ففي كل التعاليم المقدسة باختلافها تجمع على أن الطريق إلى اللحاق بمناكب الركب للروحانية المتناغمة مع الحياة هو التوازن الواعي بكل المحسوسات واللا محسوسات بإدراك دقيق يخرج الفرد من التطرف الذي يعاكس اتجاهها وينافي استجلابها؛ فينشأ الخواء الروحي الذي يسلب الفرد عدالته مع نفسه ومع كل ما هو حي مُدرك في هذه الروح.
إن التقاء العقل والضمير وتلاحمهما ينتج كينونة الروح ومكنوناتها التي تخفى على المتلقي المسلوب من هنيهات الفطرة التي تعيده لروحه وفطرته، وكما يقول عباس محمود العقاد إن الإنسان الأول قد اهتدى إلى فكرة الروح من نواحيه التي تلائمه؛ فكانت هذه الهداية مفرق الطريق في الثقافة الإنسانية سواء منها ثقافة العقل أو ثقافة الضمير.
** **
- أشواق بنت محمد الوهيد
ASHWAGALWHEID@GMAIL.COM