د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
تفرق العربية بين صفات المذكر والمؤنث كاسم الفاعل واسم المفعول، والفرق بين الصفتين أن صفة المؤنث موسومة بتاء التأنيث، واسم الفاعل نحو: (مؤمن/مؤمنة) ذكر المنعوت أو لم يذكر، قال تعالى ?وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ?، ?وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ? [221-البقرة]. واسم المفعول نحو (معروف/ معروفة) قال تعالى ?قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى? [263-البقرة]، وقال تعالى ?طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ? [53-النور].
ومن الصفات ما هو مشترك بين المذكر والمؤنث فلا يوسم للتأنيث، وأشهر أبنيته خمسة: فَعول [غَضوب] ومِفْعال [مِعْطاء]، ومِفْعيل [مِعْطير]، ومِفْعَل [مِقْوَل]، وفَعيل [جَريح](1)، وأهمها ما جاء على بناء (فعيل) وأريد به المفعول، أو جاء على بناء (فَعول) وأريد به الفاعل، قال سيبويه «وأما فعيلٌ إذا كان في معنى مفعولٍ فهو في المؤنث والمذكر سواءٌ وهو بمنزلة فعولٍ»(2)، وذلك: قتيلٌ، وجريحٌ، وعقيرٌ، ولديغٌ. قال سيبويه «وتقول: شاةٌ ذبيحٌ، كما تقول: ناقةٌ كسيرٌ»(3). وكذلك (فَعُول) مثل: صبور وعجول وغدور وقتول وغفور وقنوع وشكور وظلوم وعجوز.
وهذا الاشتراك مقيد بشرطين أحدهما ذكر المنعوت والنعت، والآخر دلالة (فعيل) على المفعول، ودلالة (فعول) على الفاعل. فإن تخلف أحد الشرطين أو كلاهما جاز وسم نعت المؤنث بالتاء.
وربما نقلت الصفات المشتقة من الوصفية لتكون أسماء فتفقد سمة التصرف لصيرورتها جامدة جمود الأسماء، من ذلك نقل (ذبيحة) من الوصف لتكون اسمًا للذات المذبوحة، ولذلك قد تطلق على الشاة وهي حيّة قال سيبويه «وتقول: هذه ذبيحة فلانٍ وذبيحتك. وذلك أنكَّ لم ترد أن تخبر أنهَّا قد ذبحت. ألا ترى أنك تقول ذاك وهي حيَّة، فإنمَّا هي بمنزلة ضحَّيةٍ»(4).
رأى النحويون واللغويون القدماء أن هذه التاء في هذه الأسماء ليست فارقة بين مذكر ومؤنث، فالذبيحة يسمى بها الكبش المذبوح كما تسمى بها النعجة المذبوحة؛ ومن أجل ذلك رأوا أن التاء اتصلت باللفظ لنقله من الوصفية إلى الاسمية أي علامة على النقل، وهذا عام في كل ما نقل من الوصفية إلى الاسمية.
من أمثلة ما وصفت تاؤه بأنها للنقل (الفاتحة) اسم أول سورة في المصحف. قال أبو السعود «الفاتحة في الأصل أولُ ما مِن شأنه أن يُفتح كالكتاب والثوب أُطلقت عليه لكونه واسطةً في فتحِ الكل ثم أُطلقت على أول كلِّ شيء فيه تدريجٌ بوجه من الوجوه كالكلام التدريجي حصولًا والسطور والأوراق التدريجية قراءةً وعدًّا والتاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية»(5). ومثلها «الحقيقة: اسم أريد به ما وضع له، فعيلةٌ من: حَقَّ الشيء، إذا ثبت، بمعنى فاعلة، أي حقيق، والتاء فيه للنقل من الوصفية إلى الاسمية»(6)، و»الْفَرِيضَة: اسْم من الافتراض، وَهُوَ الْإِيجَاب، ثمَّ جعلت بِمَعْنى المفترض، ثمَّ نقل إِلَى الْمَعْنى الشَّرْعِيّ الْأَعَمّ من الشَّرْط فِي الرُّكْن أَو صفة بِمَعْنى الْمَفْرُوض وَالتَّاء للنَّقْل من الوصفية إِلَى الاسمية لَا للتأنيث»(7)، و»الكيفية: اسْم لما يُجَاب بِهِ عَن السُّؤَال بكيف أَخذ من كَيفَ بإلحاق يَاء النِّسْبَة وتاء النَّقْل من الوصفية إِلَى الاسمية بهَا»(8). و»الْمَاهِيّة مَأْخُوذَة عَن مَا هُوَ بإلحاق يَاء النِّسْبَة وَحذف إِحْدَى الياءين للتَّخْفِيف وإلحاق التَّاء للنَّقْل من الوصفية إِلَى الاسمية»(9)، و»الدَّائِرة: اسمٌ لِما يُحِيط بالشَّيْءِ ويَدُورُ حَوْلَه، والتَّاءُ للنَّقْل من الوَصْفِيّة إِلى الاسْمِيّة، لأَن الدائرة فِي الأَصل اسمُ فَاعِل، أَو للتَأْنِيث»(10). «وأما الهاء في قوله تعالى: {والنطيحة} وهي التي تنطحها أخرى فتموت فِللْنَّقل من الوصفية إلى الاسمية، وإلا فكان من حقها أن لا تدخلها تاء التأنيث كقتيل وجريح»(11)، و»الفاحشةُ الفَعلةُ المتناهيةُ في القبح والتاء لأنها مُجراةٌ على الموصوف المؤنث، أو للنقل من الوصفية إلى الاسمية والمراد بها عبادة الأصنامِ وكشفُ العورة في الطواف ونحوُهما»(12).
وعلى الرغم من كثرة تكرر هذا القول في كتب التفسير خاصة أتوقف فيه؛ فلست أرى التاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية، فالأوصاف قد تنقل من غير تاء، مثل (الحائط) اسم فاعل وسمي به السور على المنزل أو الحديقة، والجامع اسم فاعل أطلق على المسجد الذي تقام فيه الجمعة أو الجماعة، ومن أسماء الآلة المشتقة صفات منقولة، مثل: ساطور، حاسوب، جاروف. ومن أسماء الأطعمة: جريش، ومرقوق، ومطبق، ومكبوس، ومعصوب، ومشخول.
والتاء في تلك الأسماء المختومة بتاء مجتلبة مع الصفات المنقولة، ثم فقدت دلالالتها على وسم المؤنث، فلا يقابل ما اتصلت به اسم مذكر مجرد منها؛ فالطائرة وسيلة النقل لا يقابلها طائر، والدائرة أي الشكل الهندسي لا يقابلها دائر. ومن هنا أقول: لا تاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية.
** ** **
(1) الشاطبي، المقاصد الشافية، 6: 359.
(2) سيبويه، الكتاب، 3: 647.
(3) سيبويه، الكتاب، 3: 647.
(4) سيبويه، الكتاب، 3: 647.
(5) أبو السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، 1: 7.
(6) العسكري، التعريفات، ص: 89.
(7) الكفوي، الكليات، ص: 690.
(8) الكفوي، الكليات، ص: 752.
(9) الأحمد نكري، جامع العلوم في اصطلاحات الفنون، 3: 136.
(10) الزبيدي، تاج العروس، 11: 320.
(11) محمد بن أحمد الخطيب الشربيني، السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير، 1: 352.
(12) أبو السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، 3: 223.