د. محمد عبدالله الخازم
مقال الأسبوع الماضي تعلق بملاحظات أعضاء هيئة التدريس حول فرض السياسات الأكاديمية من الأعلى دون إشراكهم في صناعتها وإبداء الرأي حيالها وكونها تأتي مجزأة تتسبب في فجوات تطبيقية ...إلخ. ورغم أن نقاش المقالات من القراء لم يعد شائعاً إلا أن أحدهم حفزني لمتابعة الموضوع بمقال آخر حول صناعة سياسات التعليم، فليكن ذلك ولا بأس من تكرار الأفكار طالما نظرنا لها من زاوية مختلفة. تغيير أو استحداث سياسة أو نظام أو لائحة يتطلب توافق ثلاثة عناصر رئيسة:
أولاً: بروز مشكلة وتحولها إلى محط اهتمام صانع القرار. قد تكون أزلية، تراكمية، حديثة أو متوقعاً حدوثها. هذا البروز قد يكون صانع القرار البادئ بالتعرف عليه وقد يبرز كظاهرة يتحدث عنها النقاد وأوساط المجتمع المعني بها، فيتحرك صانع القرار لحلها عبر تطوير أو تغيير تشريعات وسياسات.
ثانياً: توجه القيادي المسؤول ويقصد بذلك تبني القيادات أو دفعها باتجاه تطوير أو تأسيس التشريعات ذات العلاقة.
ثالثاً: صانع السياسة المعني بخروج وصياغة النظام أو اللائحة بشكلها النهائي. القيادي يدفع لصنع اللائحة والمجتمع يهمه الحلول النهائية، بينما التنفيذي في نظامنا الإداري هو المعني بالدفع للأمام بالنظام أو اللائحة المستحدثة أو المراد تعديلها، ونقصد الوزارات والهيئات الحكومية والمجالس المماثلة...
التعليم العالي قضاياه ليست خافية وتتجاوز مجرد توفير المقعد الجامعي إلى تأخر معطياته التنظيمية عن حركة التطور التنموي الإداري في قطاعات الدولة الأخرى. أدركت الجهات المسؤولة هذا الوضع فأعلنت مبادرات وأنظمة مثل إعطاء مزيد من الاستقلالية للجامعات وغير ذلك من المبادرات التي تدل على توافق العنصرين الأولين، المشار إليهما أعلاه في أهمية تحديث أنظمة التعليم الجامعي. لكن يبدو أن العنصر الثالث الضروري لالتقاء الرغبتين الاجتماعية و القيادية بتطوير نظم التعليم العالي والجامعات، لم يرتق إلى مستوى التطلعات ولا يقدم لنا حلولاً تنظيمية إستراتيجية مقنعة. بل إنه يسير عكس ما يعلن من توجهات حينما يزداد تحكماً في تفاصيل القرار الجامعي وكأن مفهوم استقلالية الجامعات لديه مجرد (اكليشة) إعلامية.
ما قيمة نظام استقلالية الجامعات، طالما الوزارة تفرض عليها التقويم الدراسي وتقرر الهياكل التنظيمية لها بإلغاء عمادات ومراكز و وكالات وفرض مسميات كليات وأقسام وفق (مسطرة سطحية) تضع الجميع في مستوى واحد؟ ميزانية الجامعة وصناديقها ووظائفها لم تعد معلومة فكيف تخطط الجامعات أعمالها ويراقب المتابع أحوالها؟ هل فعلاً جامعاتنا تزداد استقلالية أم عكس ذلك؟ يؤسفني القول بوجود تردد وخشية وربما عدم ثقة في قيادات الجامعات ورغبة من قبل الوزارة في التحكم في أعمال الجامعات، وكأن الفكر القديم ما زال مسيطراً وإن تغير الأفراد. أرجو ألا أكون قاسياً عندما أشير إلى أن وزارة التعليم - التعليم الجامعي- تعاني ضعف وغياب الكوادر القادرة على صنع النظم واللوائح (policy makers) وليس كل إداري يملك الفكر والقدرات والمهارات التنظيمية والتطويرية الحديثة. تزداد الإشكالية في عدم الاستعانة بآراء الجامعات وأساتذتها وبغياب مراكز الفكر والبحث والدراسات المحلية ذات العلاقة بصنع سياسات التعليم الجامعي.