عوض مانع القحطاني - الرياض:
يتمحور اهتمام قادة دول مجلس التعاون -حفظهم الله- بدعم مسيرة مجلس التعاون في جميع الجوانب، ومنها الجوانب الاقتصادية والتنموية، والتركيز على المشاريع ذات البعد الإستراتيجي التكاملي في المجال الاقتصادي والتنموي، وأبرزها الانتهاء من متطلبات الاتحاد الجمركي، والانتهاء من تحقيق السوق الخليجية المشتركة، ومشروع السكة الحديدية.
وتأتي هذه القمة (42) ومجلس التعاون يدشن العقد الخامس من مسيرته المباركة، التي تتزامن مع تداعيات جائحة كورونا، والتي لا تزال تعصف باقتصادات العالم أجمع، الأمر الذي يعزز القناعة لدى الجميع بأن العالم ما بعد كورونا مختلف تماماً عن العالم ما قبل كورونا، وإن كان العام 2020م قد فرض تحديات غير مسبوقة بسبب الجائحة، إلا أنه قد حمل فرصًا جديدة للعمل على اغتنامها والاستفادة منها.
تبنى مجلس التعاون التكامل الاقتصادي عنوانًا للعقد الخامس من مسيرة مجلس التعاون استناداً إلى عوامل عديدة منها الرؤى والخطط التنموية الوطنية في جميع دول المجلس وما توفره من فرص كبيرة للقطاع الخاص نحو قيادة الاقتصاد الخليجي. وبروز الحاجة للتكامل الخليجي في مجالات الأمن الغذائي والدوائي، وتوظيف الاقتصاد المعرفي والتحول الرقمي، والتكامل اللوجستي. وكذلك توفير متطلبات الثورة الصناعية الرابعة وتعزيز التعامل مع الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني. وتعزيز الاستثمارات الخليجية المشتركة وتوطين رأس المال الخليجي في مشاريع التكامل على أسس تجارية واقتصادية وفق أفضل ممارسات الحوكمة. وكذلك تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول والتكتلات المماثلة من خلال اتفاقيات التجارة الحرة ودعم التنافسية والحضور الإقليمي والدولي.
وتبوأت دول المجلس مراكز الصدارة في العديد من المؤشرات والتقارير الإقليمية والعالمية، وفي القضايا المتعلقة بالتنمية الشاملة التي تعنى بالمجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والاقتصاد المعرفي، بفضل خطط تنموية إستراتيجية طموحة، وخطوات عملاقة في مختلف المجالات، مما جعلها أنموذجًا للتكتلات الإقليمية الهادفة إلى تحقيق التنمية المستدامة الشاملة، وتعزيز أمن الأوطان ورخائها، وتقدم رفاه الشعوب.
ويستعرض المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والذي يعد ثمرة من ثمار مسيرة الخير الممتدة أبرز المؤشرات التنافسية والتنموية والاقتصادية على مستوى مجلس التعاون. حيث أظهرت العديد من التقارير الدولية مثل تقرير التنافسية العالمي 2020م وغيرها من التقارير الدولية، أداءً متفوقًا ومتميزًا لدول مجلس التعاون في عدد من مؤشرات التنمية المستدامة. حيث صنفت دول مجلس التعاون ضمن الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة جدًا في تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة. وأحرزت دول مجلس التعاون تقدمًا ملحوظًا في مستويات التنمية البشرية مما أهلها لتقف في مصاف الدول الأكثر نموًا. إذ تصدر مجلس التعاون إقليم الشرق الأوسط في عام 2020م ضمن أفضل الدول استثمارًا في رأس المال البشري باعتباره محركًا رئيسًا للتنمية الاقتصادية المستدامة الشاملة. وكذلك جاءت جميع دول مجلس التعاون بالمرتبة الأولى على المستويين العربي وشمال إفريقيا في مؤشر الأمن الغذائي العالمي 2020م. وتصدرت جميع دول مجلس التعاون المراكز الستة الأولى عربياً في مؤشرات كفاءة الرفاهية الاجتماعية، وكفاءة الأمن الغذائي والتغذية، وكفاءة الاقتصاد الرقمي، وكفاءة المؤشرات التنظيمية للطاقة المستدامة، ومؤشرات كفاءة المعرفة والجاهزية للمستقبل.
أداء اقتصادي متقدم
شهدت الأهمية الاقتصادية العالمية لدول مجلس التعاون تزايدًا سريعاً خلال الفترة الماضية، حيث احتلت دول مجلس التعاون الخليجي المركز الـ 13 على مستوى العالم في مؤشر الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية لعام 2020م، وجاء هذا نتيجة الزيادة الكبيرة في حجم الاقتصاد الخليجي ونموه بمعدلات مرتفعة خلال العقد الماضي، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي على مستوى مجلس التعاون ما قيمته 1.4 تريليون دولار أمريكي. في عام 2020م.
ومنذ أوائل عام 2020م وحتى اليوم، يشهد الاقتصاد العالمي تحدياً كبيراً يتمثل في كيفية احتواء جائحة كوفيد-19 وآثارها السلبية والتخفيف من تداعياتها على الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية والبيئية. وبالنسبة لمجلس التعاون، فقد كان لتداعيات جائحة كوفيد-19 تأثيرات سلبية مباشرة وغير مباشرة على القطاعات الإنتاجية والخدمية، وذلك عقب تدابير الإغلاق والتباعد الاجتماعي الاحترازية التي اتخذتها دول المجلس لاحتواء هذا الوباء. إلا أن دول المجلس واكبت هذه التدابير باعتماد سياسات نقدية ومالية مناسبة للحفاظ على منجزاتها الاقتصادية وكذلك المحافظة على الاستقرار المالي والاقتصادي.
قطاع مصرفي متين
حافظت السياسات النقدية والمالية المناسبة التي اتخذتها دول المجلس وذلك من خلال خفض أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية، وضخ الأموال إلى القطاع المالي، إضافة إلى التدابير الاستثنائية التي تم اتخاذها لضمان ملاءة القطاع المصرفي والتعامل مع أي انعكاسات لحجم القروض غير العاملة على أداء هذا القطاع وسلامته، حيث ارتفع إجمالي أصول البنوك العاملة في مجلس التعاون في نهاية عام 2020م إلى نحو 2554 مليار دولار أمريكي، بارتفاع بلغت نسبته 7 % مقارنة مع حجم الأصول بنهاية العام السابق. وارتفع كذلك إجمالي الودائع المصرفية في البنوك العاملة في مجلس التعاون في نهاية عام 2020م إلى نحو 1560 مليار دولار أمريكي، بارتفاع نسبته 5.1 % مقارنة مع حجم الودائع بنهاية العام السابق. وارتفع إجمالي حجم القروض المقدمة من المصارف العاملة في مجلس التعاون في نهاية عام 2020م إلى نحو 1166 مليار دولار أمريكي، بارتفاع نسبته 6.5 % مقارنة مع حجم الإقراض بنهاية العام السابق.
الكفاءة التنافسية للطاقة
احتلت دول مجلس التعاون المرتبة الأولى على مستوى العالم في مجال إنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي، حيث بلغ إنتاج دول المجلس من النفط الخام 16.2 مليون برميل يوميًا في العام 2020م. كما بلغ إنتاج الغاز الطبيعي المسوق خلال العام نفسه نحو 424.2 مليار متر مكعب، محتلة بذلك المرتبة الثالثة عالمياً بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وتمتلك دول مجلس التعاون أكبر احتياطي من النفط في العالم والذي يقدر بنحو 500.2 مليار برميل في العام 2020م، إضافة إلى ثاني أعلى احتياطي من الغاز الطبيعي بعد روسيا والذي يقدر بنحو 43.3 تريليون متر مكعب في العام 2020م.
الانفتاح التجاري
حققت دول مجلس التعاون فائضًا في الميزان التجاري السلعي بلغت قيمته 42.9 مليار دولار أمريكي في العام 2020م، واحتلت بذلك المرتبة الحادية عشرة على مستوى دول العالم من حيث حجم فائض الميزان التجاري في عام 2020م. وبلغت قيمة صادرات دول المجلس السلعية إلى العالم الخارجي 438.5 مليار دولار أمريكي، محتلة المرتبة الخامسة عشرة عالمياً في قيمة إجمالي الصادرات السلعية، وبلغت قيمة واردات دول المجلس السلعية 395.6 مليار دولار أمريكي، محتلة بذلك المرتبة السادسة عشرة عالمياً في قيمة إجمالي الواردات السلعية، ومن حيث حجم التبادل التجاري حققت دول المجلس المرتبة السادسة عشرة عالمياً، حيث بلغ ما قيمته 834.1 مليار دولار أمريكي عام 2020م.
ومن حيث أهم الشركاء التجاريين مع دول المجلس في العام 2020م؛ احتلت الصين المرتبة الأولى من بين أهم الشركاء التجاريين لمجلس التعاون من حيث حجم التبادل التجاري، حيث شكلت ما نسبته 17.3 % من حجم التبادل التجاري لدول المجلس مع الأسواق العالمية في عام 2020م، وقد بلغ حجم التبادل التجاري مع الصين نحو 162.0 مليار دولار أمريكي في عام 2020م، فيما احتلت الهند المرتبة الثانية بنسبة 8.6 %، تليها الولايات المتحدة الأمريكية 6.0 %، واليابان 5.0 %، وكوريا الجنوبية 4.8 %، حيث تُعَدُّ هذه الدول من أكبر المستوردين للنفط الخام والغاز الطبيعي من دول مجلس التعاون.
التجارة البينية لدول مجلس التعاون الخليجي
بدأت دول مجلس التعاون في تطبيق منطقة التجارة الحرة في العام 1983م، والاتحاد الجمركي في العام 2003م، والسوق الخليجية المشتركة في العام 2008م، وقد ساهمت جميع هذه الخطوات في تعزيز التكامل الاقتصادي بين دول المجلس في شتى المجالات الاقتصادية وخصوصًا حركة تبادل السلع. حيث بلغت التجارة البينية السلعية لدول مجلس التعاون الخليجي (مقاسة بإجمالي الصادرات البينية) ما قيمته 79.1 مليار دولار أمريكي في عام 2020م، وهذا بدوره يعكس أهمية وأثر التجارة البينية في اقتصاد دول مجلس التعاون.
وتستمر مسيرة السلام والخير لتحقيق مسيرة تنموية مستدامة وآفاق أكثر رحابة وإشراقة لمستقبل زاهر، وكل عام وأصحاب الجلالة والسمو القادة وشعوب دول المجلس بخير.