يسعى كثير من الناس إلى فكرة الزواج المبكر للفتيات بغرض الاستقرار وتكوين أسرة وبناء عائلة جديدة وزعمًا منهم أنها مكرمة ومصونة للفتاة، وعلى الرغم أني امرأة مسلمة وأقدر تعاليم الإسلام الذي حثنا على تبكير زواج الشباب والفتيات إلا أنني أجد أنه في زمننا هذا أصبح بمثابة وهم وليس حقيقة وإليكم بعض التفاصيل:
تمر الفتاة بمراحل عمرية طبيعية أولها الطفولة وتليها المراهقة وهي أخطرهم وبعدها الشباب.
حين تتزوج الفتاة في سن صغيرة فهناك اختصار أو تخط لمرحلة مهمة جدا من عمرها وهي أهم مرحلة بها تتكون شخصية الفتاة وتنتظم حواسها وتترتب مشاعرها وتنضج أفكارها إذا مرت الفتاة بهذه المرحلة بسلام فسيكون لدينا أم بمثابة تربة خصبة لإنتاج نشء جديد سوي وغير مشوه فكريًا ولا جسديًا
أي إنسان طبيعي من أبسط حقوقه أن يحيا مراحل عمره كما أرادها الله لطبيعته الفسيولوجية وتركيبته النفسية.
إن لم تمر الفتاة بهذه المرحلة العمرية وإن تخطتها وتزوجت بعمر المراهقة فهذا ظلم لها وللزوج لأن الله سبحانه وتعالى شرع الزواج لحكمة السكنة والاستقرار والمودة والرحمة.
بالله عليكم أين لهذه الطفلة بعقل يفهم معنى السكن والمودة والرحمة؟! وهنا يبدأ الصدام بين طفلة أصبحت زوجة ومسؤولة وبين براءة الفطرة بأحلام تراود خيالها طبقا لمرحلتها.
يقول الله عز وجل بسم الله الرحمن الرحيم {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
استشعروا معي أحبتي هذه الآية وما تحمله من معان هل لطفلة أو مراهقة قدرة على عطاء مثل هذه المعاني لا وربي، وأيضا حال الزوج المسكين هل تزوج ليعلم ويربي أو ليعيش هذه الآية وينعم بالسكن والمودة والرحمة وجو الأسرة الدافئ.
إن الظلم الواقع على هذا الرجل المسكين لا يقل ضررا عن ظلم هذه الطفلة وتبدأ رحلة التشتت ما بين رجل بحاجة لأي حقوق معنوية ومادية شرعها له الله عز وجل تعينه على أعباء حياته، وما بين فتاة لا تعي ما هي متطلبات هذه المرحلة والمكان الذي أصبحت فيه حتما ستقصر بحقه لأنها لا تعرفه ولا تقواه ولا تهيأت له نفسيًا ولا جسديًا، وإلى أن تصبح شابة مكتملة تكون قد هرمت بداخلها أحاسيس الشباب من المرور بمتاعب لا تستوعبها ولم تحسب لها حساباً.
وهناك حسابات أخرى الكثير منا لا يلتفت لها ولا يلقي لها بالا هل سئلت هذه الفتاة أهي راضية أو غير راضية؟ وأنا أقول حتى لو أخذ رأيها فهي ليست بالعقل الحكيم لتبدي قرارا بهذه الخطورة إنها حياة وعمر ورحلة طويلة وشاقة ومن أبسط حقوقها أن تختار من يرافقها هذه الرحلة بمتاعبها لأن الرفيق بمثابة العكاز الذي ستستند إليه وقت الوهن والمحن فإن كان رفيقها من اختيارها كما شرع لها ربها هانت الرحلة وهانت المتاعب وهان كل صعب.
وإن كان الرفيق ساقه القدر لها أو اختاره أهلها فقد فاض المر مرارة وسترتشف مذاقه طوال حياتها حتى تفقد حاسة التذوق ويصبح كل شيء مكرراً لا لون ولا طعم ولا رائحة له، وتبقى بحساب الأحياء حية لحين اشعار آخر.
تحياتي لمن قرأ هذه السطور وفهم ما بين السطور.