د.عبدالله بن موسى الطاير
إيران وإسرائيل يديران تنافسهما على النفوذ في منطقتنا وفق تصورات دينية تبشر بزوال إحداهما، وهما باجترار النبوءات يغذيان رأيا عاما يؤمن بأن المعركة بين الطرفين عقدية، وأن إحداهما يجب أن تختفي لتعيش الأخرى. وراء هذا الطرح اللاهوتي الكثير من الاتصالات والمبادرات والمناورات الواقعية التي تجد طريقها تباعا إلى محادثات فيينا. القاسم المشترك بين ولاية الفقيه والدولة الصهيونية هو الاحتلال، فإسرائيل تحتل فلسطين وتتوسع، وولاية الفقيه تحتل السلطة في إيران وتتوسع في محيطها العربي. كلاهما يحاول حماية وجوده. هاجس الأمن والبقاء يؤرق ولاية الفقيه واليمين الإسرائيلي على حد سواء.
وأخذا في الاعتبار الصراع من أجل البقاء، تخشى إسرائيل أن محادثات 5 + 1 قد تمنح إيران ميزة إضافية؛ كالمصادقة على امتلاك المعرفة النووية، والتبشير بالإفراج عن مليارات الدولارات من الأرصدة الإيرانية المجمدة، وإعادة إدماج إيران في الاقتصاد العالمي، بما في ذلك أسواق الطاقة. إسرائيل وبقية أعضاء النادي النووي لا تريد إضافة عضو نووي جديد، ويخشون أن تدلف إيران إليه بدون استئذان. وإذا كانت أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا تحديدا تغلظ الإيمان لإسرائيل بأن الاتفاق النووي مع إيران هو الوسيلة الوحيدة لمنعها من امتلاك سلاح نووي يهدد أمن واستقرار إسرائيل، فإن الأخيرة ترى أن أي قوة عسكرية أو اقتصادية يمكن أن تحصل عليها إيران من الاتفاق النووي يعرض أمن ونفوذ إسرائيل للخطر، طالما بقي نظام ولاية الفقيه في السلطة. وبهذا فإن إسرائيل لا تمانع البتة في امتلاك إيران تحت نظام آخر غير ولاية الفقيه للأسلحة النووية.
إيران ولاية الفقيه، من جانب آخر، تكرس نفوذها بادعاء أنها نصيرة للمستضعفين في وجه المستكبرين، وممارسة تخويلها الدستوري بالدفاع عن «حقوق المسلمين كافة»، والسعي لتحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية للعالم الإسلامي، والنص الدستوري يستخدم عبارة «العالم الإسلامي» وليس دول العالم الإسلامي، مما يعني عدم الاعتراف بالحدود التي تؤطر سيادة الدول الإسلامية، وتعد تلك الحدود مصطنعة، ومن مخلفات الاستكبار العالمي. بناء على هذه الأيديولوجيا صنعت إيران لها ميليشيات وألبستها جلابيب الدين المزركشة بالوشي الفارسي، وانتهكت بها سيادة الدول، وضللت الرأي العالم الإسلامي بادعاء دفاعها عن الإسلام والمسلمين وقضاياهم وبخاصة القضية الفلسطينية. هذا الزعم يكذبه الموقف الرسمي من المسلمين المستضعفين في سوريا، ومن المسلمين الإيغور في الصين، والروهينيجا في ماينمار، والمسلمين الشيعة في أذربيجان، حيث تتحالف مع أرمينيا ضدهم.
وبالعودة إلى أجواء المحادثات في فيينا، نعلم يقينا أن الرسالة قد وصلت بوضوح لإيران، وأن إحراز تقدم في المفاوضات لم يعد خيارًا وحيدًا، وإنما الأسوأ هو البديل الذي ينتظر الملالي. ولذلك فقد عاد الوفد الإيراني وأبلغ الأوروبيين أنه سيتفاوض من حيث انتهت جولة منتصف العام، ولكنه بحاجة إلى تغييب الرأي العام الإيراني والاستمرار في تسويق عدم التنازل والتأكيد على أن مقترحاته التي قدمها الأسبوع الماضي لا تزال على الطاولة وهذا غير صحيح.
حجم الضغوط التي أشرت إليها الأسبوع الماضي تضاعفت بوتيرة متسارعة، فالتلويح ببدائل ما بعد فشل المفاوضات أصبح مطروحا على مستوى الرئاسة الأمريكية. فالرئيس بايدن، كما صرحت المتحدثة باسم البيت الأبيض «ملتزم بضمان عدم حصول إيران على سلاح نووي أبدًا. وبالنظر إلى التقدم المستمر في برنامج إيران النووي، طلب الرئيس من فريقه الاستعداد في حالة فشل الدبلوماسية، ويجب أن ننتقل إلى خيارات أخرى». ويمكن التكهن بالخيارات الأخرى من التسارع الملحوظ في ردم الهوة القائمة بين كل من واشنطن وتل أبيب حول المفاوضات النووية. وفي تقدم ملحوظ للتفاهم بين أمريكا وإسرائيل «أعلن المسؤولون الأمريكيون هذا الأسبوع أنه قبل شهرين، طلب الرئيس بايدن من مستشاره للأمن القومي، جيك سوليفان، مراجعة خطة البنتاغون المعدلة لاتخاذ إجراء عسكري إذا فشل الجهد الدبلوماسي». إيران تدرك المخاطر المحتملة ولذلك فإنها تقدم تنازلاتها في فيينا وفي ذات الوقت تنشر صواريخ أرض - جو في سوريا ولبنان والعراق من أجل صد الضربات الجوية الإسرائيلية المحتملة. وفي المقابل خصصت إسرائيل ميزانية قدرها 1.5 مليار دولار للتحضير للحرب ضد إيران.
شخصيًا لا أعتقد أن إدارة بايدن، في الظروف الطبيعية، ستشن عملاً عسكريًا أو تسمح به، ولكن إذا أخذ في الاعتبار المقارنات الجارية بين إدارة ترامب التي قتلت قاسم سليماني، ولم تجرؤ إيران على رد يليق بمكانته في المنظومة الأمنية الخارجية لولاية الفقيه، وإذا أصبح الحزب الديمقراطي تحت وطأة الخسارة في الانتخابات النصفية، فإن صرصرة الصقور في الإدارة الديمقراطية قد تعلو على هديل الحمائم، وستدشن عمليات عسكرية لمواقع منتقاة تحقق أهدف المفاوضات النووية في تأخير امتلاك إيران سلاحًا نوويًا لعدة سنوات.