خلق الله -عز وجل- الإنسان، وجعله ما بين الجبر والاختيار، فأما الجبر فلأنه قد خلقه وجعله عبداً له، وأما في الاختيار فهو أن الله -تعالى- جعل له حرية الخيار ما بين الخير والشر والحلال والحرام، ومنحه المغفرة عن الذنوب إذا تاب، ولأجل ذلك أرسل الله -عز وجل- للبشرية الرسل وأنزل عليهم الكتب السماوية على فترات من الزمن، وليس كما قال الجهمية بأن الإنسان مجبر، وأنه لا إرادة له لأن الله قد خلق الأفعال والاختيارات للأبد، وأن الإنسان مسلوب الإرادة والقدرة والاختيار، فهو مثل ريشة في مهب الريح فهو يتحرك كما تتحرك الشمس والسحب والقمر والظواهر الطبيعية، ولكن في عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإنسان ليس مجبراً فقط ولكن مخير أيضاً، وجعل له فريقين، ففريق الشياطين ومحاولة جره إلى طريق الضلال والشر والظلام عن طريق الشهوات والمعاصي وضعف النفس في حالة الحزن واليأس والألم والمرض، بينما الفريق الثاني الملائكة الذين يحاولون إنقاذ الإنسان ويرفقون به ويستغفرون له ولا يستعجلون في تسجيل السيئات عليه انتظاراً للاستغفار ويحفظونه عند المحافظة على الصلوات وتلاوة القرآن الكريم والأذكار، ونجد ذلك في الملكين الرقيب والعتيد، فواحد منهم يسجل الحسنة ولو كانت على النية فقط ولكن لم تُفعل وجعلها أضعافاً مضعفة في حال الفعل، وأما الملك الآخر فإنه يتريث في تسجيل السيئة، فلا يسجلها سريعاً، فربما استغفر الإنسان، كما لا تسجل السيئة على نية الإنسان بفعل السيئة حتى يعملها وتسجل سيئة واحدة فقط بدون مضاعفتها، وهذه رحمة من الله -عز وجل-، إذاً هناك تنافس ما بين الفريقين، كل فريق يحاول أن يحتوي الإنسان لفريقه وعالمه، حيث عالم الشياطين عالم الشر والنار، وأما عالم الملائكة فعالم الخير والجنة ورضوان الله، لذلك قال الله سبحانه في كتابه الكريم: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا لذلك النفس تكون ضعيفة عندما تتعرض للابتلاء والشيطان يكثف من وساوسه على الإنسان عندما يكون في هكذا موقف، لذلك النفس هنا تكون ضعيفة، وفي حالة جهاد عظيم لمحاولة الثبات بسبب ما أحدثه الابتلاء من ألم وقلق، والشعور بعدم الراحة وعدم التوازن والنفس البشرية لن تشعر براحة البال والسكينة والرضا إلا حينما تكون وصلت إلى درجة اليقين بالله، وتكون متمسكة بالمبادئ والقيم التي أرادها الله لها، والله سبحانه قد أرسلالرسالات وأنزل الكتب السماوية لأن الإنسان هو خليفة الله في أرضه، وخلق له هذا الكون، وسخر له كل ما فيه كي يتعلم، وتكون لديه المعرفة والإيمان، ويكتشف ما فيه من قوانين وأنظمة وعلوم يتعلم منها ويتعرف على موادها ويتفادى التصادم معها، وهذه رحمة من الله للإنسان الذي قد راهن عليه الملائكة بالفساد والجريمة حينما احتجوا على خلق الله له لقوله تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ، لذلك جعل الله الإنسان وسطاً ليس ملكاً مخلوقاً للعبادة فقط قولاً وعملاً ولا شيطاناً همه عمل الشر دوماً، ولكن الإنسان بين بين، وكما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم»، وهذا ليس معناه التمادي في الذنوب التي نهى عنها وحرمها، ولقد سبق في علمه أنها توجد، وأنه يعفو إذا أسرف العبد فيها ثم تاب، كما لا ييأس الإنسان ولا يقنط من رحمة الله، فلو يؤاخذ الله البشر بذنوبهم بالعقوبة كان لم يبقِ على أحد منهم على الأرض، ولكنه سبحانه يبطش بعتاة البشر المجرمين والمشركين والملحدين، وأما الذين دون ذلك فهم تحت رحمته وعفوه، لذلك الإنسان ضعيف بالبعد عن الله، وقوي بالقرب منه، وهو المحتاج دوماً إليه.